دين ودنيا

وقفه مع الإستعداد لشهر رمضان ” الجزء الخامس عشر


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس عشر مع الإستعداد لشهر رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كل عمل ابنِ آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك” وروى البخارى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه” ومراد الحديث أن الله تعالى إنما شرع الصيام لأجل تهذيب النفس، وليس لمجرد ترك الأكل والشرب، ويا لخسارة من كان رمضان عنده الجوع والعطش، الجوع والعطش فقط، يا لخسارة من لا يبالى في رمضان ماذا فعل، ويا لخسارة صاحب الدش الذى لا يزال ينظر فيه المنكرات، ويقلب القنوات، يا لخسارة العاق لوالديه ولا يزال كذلك، يالها من خسارة كبيرة أن يستمر الشاب يرتاد المقاهى في رمضان وكأنه ما صام.

ولا عرف الصيام الحقيقى، وهكذا في نواقص كثيرة نحتاج إلى أن نقف فيها مع أنفسنا في هذا الشهر الكريم وقفة صدق وجد، ونتخلص منها جميعها، لتعود صفحاتنا بيضاء نقية، يجب أن يكون رمضان كما أراده الله جل وعلا، محطة تنقية وتنظيف وتطهير ورجوع كامل إلى الله تعالى، وهذا ما عّبر عنه القرآن في كلمة جامع عظيمة كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” فإن ما نحتاجه في تصحيح أحوالنا لنحقق ما أراه الله منا بمشروعية الصيام أمران، أولهما هو العزيمة الصادقة، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” وإذا عزمت فتوكل على الله ” وثانيهما هو عدم المبالاة بعاداتك السابقة وبرامجك المثبطة، وأشدها قطاع الطريق، أتدري من هم قطاع الطريق؟ إنهم أصحاب السوء الذين لا يسرهم قربك من الله، ويسعدون بقربك من إبليس، وأما الأمر الثانى الذى نستعد به لهذا الشهر الكريم فهو الاستكثار من النوايا الصالحة، والعزم على فعل الخيرات.

فإنه ليس استعدادنا لرمضان فقط بشراء الأطعمة الخاصة به، وهذه لا عيب فيها ولا نقص، ولا تثريب، بل ينبغي احتساب النفقة فيها، فهي طعام تتقوى به على العبادة، تتسحر عليه وتفطر عليه، فيحدثنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له “إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تضع في في امرأتك” رواه البخاري ومسلم، أى اللقمة التى يطعمها زوجته يؤجر عليها، وعن أبى مسعود البدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة” رواه البخارى ومسلم، ويقول عبدالله بن المبارك خصلتان حُرمهما الناس الحسبة في الكسب، والحسبة في النفقة، ولكن مع هذا نستعد استعدادا إيمانيا حتى لا يكون رمضان مجرد عادة من العادات، أو عبادة جوفاء يعملها الإنسان من غير استشعار لعظمتها وأهميتها، وكذلك الاستعداد بالنية الصالحة، وهى نية الصيام احتسابا لله تعالى لا مجرد عادة وتقليد، ونية المحافظة على الفرائض.

في أوقاتها مع الجماعة، بل المحافظة ما أمكنك على تكبيرة الإحرام، ونية المحافظة على قيام رمضان مع المسلمين، والعزم على عدم التفريط فيه ولا ليلة واحدة، نية الحرص على الصدقة في رمضان فهو شهر الصدقات، ويا حبذا أن يعزم الإنسان على الإكثار من الصدقة في رمضان، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ورُوى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل، وما هي إلا أيام قلائل وتستقبلون موسما عظيما من مواسم العمل الصالح، وسوقا رابحة للمتاجرة مع الرب الكريم، ومحطة كبرى من محطات التزود بالإيمان والتقوى، فهو موسم اختصه الله تعالى بخصال الخير، فيه تتنزل الرحمات، وتقال العثرات، وتحط الذنوب والسيئات، نسأل الله أن يبلغناه، ويوفقنا فيه للتقرب إليه بما يحبه ويرضاه، وأن يحشرنا في زمرة السابقين المقربين، مع الأئمة المتقين المهديين، فقد أوصى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فيه.

فقال ” فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما فتَسأَلون الله الجنة، وتعوذون به من النار” وروى عن جابر رضي الله عنه قال ” إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء” وإن من الكياسة أن تعمر أوقاته بجليل الطاعات وعظيم القربات من تلاوة القرآن، وكثرة والاستغفار، والمداومة على الدعاء والأذكار، وأن لا يفوت العبد بابا من أبواب الخير إلا وقد أخذ منه حظا ونصيبا، فمنادى الله ينادي كل ليلة من ليالى رمضان ويقول ” يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر” فلنساهم فى الخير، فهو شهر الخير والبركة والجود والإحسان، ولقد اختص الله تعالى شهر رمضان بخصائص عن غيره من الشهور، ومن أعظم تلك الخصائص أن جعل الله فيه ليلةَ القدر.

التي قال الله تعالى عنها سبحانه وتعالى ” ليلة القدر خير من ألف شهر” وقال عنها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “من قام ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم مِن ذنبه” فمن أراد أن يفوز بهذه الليلة فليحرص على أداء صلاة التراويح فى كل ليلة من ليالى الشهر، فمن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلته، ومن حافظ عليها جميع ليالى رمضان فإنه بفضل الله تعالى سيدركها، فيجب على الناس أن يحافظوا على هذه الصلاة لأننا نلاحظ كثيرا منهم يصلون التراويح في الأيام الأولى من أيام الشهر بنشاط، ثم يفترون ويتكاسلون في أواخر أيام الشهر، مع أنها أفضل الليالى والأيام، وهذا نوع من الحرمان والخذلان فقال تعالى ” ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا” وليكن لك أيضا جزء من الليل تعيش فيه مع الله عز وجل، تستقبل رحماته ونفحاته، فإنه عز وجل إذا ذهب ثلث الليل الأول من كل ليلة نزل إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وينادى عباده ” هل من مستغفر، هل من تائب، هل من سائل، هل من داع.

حتى ينفجر الفجر” فلا تحرم نفسك مِن هذه النفحات، ومما يجب الحذر منه هو السهر على غير طاعة الله، فإنه ينزع بركةَ الوقت، ويفوت الخير، ويجر إلى الوقوع فى الإثم، فاتقوا الله وأعدوا العدة لصيام أيامه وقيام لياليه، والتنافس في أعمال البر، والمسابقة إلى سبل الخير، والتعرضِ لنفحات الرب الكريم، فربّ ساعة يوفق فيها العبد يرتفع فيها إلى منازل المقربين، فقال تعالى ” ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم” فأوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل، فهو سبحانه القائل فى كتابه ” ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا” فقبل حلول هذا الشهر المبارك لنا بعض الوقفات، فإن الوقفة الأولى علينا أن نستعد لرمضان بتطهير أنفسنا من المعاصى والسيئات وتنقية قلوبنا من الشرور والآفات ويكون ذلك بالتوبة النصوح، فالمعاصي تقسي القلوب، وتثبط عن العمل، وتهون الوقوع في الآثام، فالصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock