وقفه مع سجاح بنت الحارث ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع سجاح بنت الحارث، وقد توقفنا مع إمرأة كانت لها منزلة سامقة وصار لها أتباع من قبيلتها وقبائل أخرى ونعني هنا سجاح الشاعرة الحالمة، فهذه المرأة إذا كذب العرب المسلمون رسالتها السماوية فلن يستطيعوا تكذيب رسالتها الإنسانية والأخلاقية في تحدي سلطة الرجل وإعادة الإعتبار لمكانة المرأة ومهما كانت المؤاخذات التي تنسب لها وأغلبها كاذبة فما من أحد كان يعيش في مثل ظروفها إلا وأصابته الحيرة في شأن خطورة التحديات التي واجهتها، فقد ظهرت سجاح التميمية على مسرح الأحداث بعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فظهرت شرقى نجد وسعت إلى غزو اليمامة بجيشها البالغ تعداده أربعين ألفا، قائلة لجيشها سجعا عليكم باليمامة، دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة، وحين علم مسيلمة الكذاب بذلك عرض عليها أن تنضم إليه في مواجهة المسلمين، فكانت هذه السيدة التي ولدت عام ستمائة وخمسة وسبعون ميلادى وجيهة رفيعة الشأن في قبيلتها، ولمعت شخصيتها في فترة الردة وكانت على معرفة مسبقة بظهور نبي جديد ودين جديد وعلى معرفة بالأديان التي سبقت الإسلام وذلك بسبب ثقافتها العراقية النصرانية فعشيرتها كانت تسكن العراق منذ القدم، وحين أعلنت نبوتها تبعها جمع من قبيلتها وكان منهم بعض كبار تميم كالزبرقان ين بدر، وعطار بن حاجب، وشبث بن ربعي الرياحي وعمرو بن الأهتم وقد بلغت بها الجرأة أن طلبت من أتباعها السير إلى الحجاز وغزو مكة والإستيلاء على دولة الخلافة، وبعض المؤرخين وكتاب السير.
لم يكونوا يستطيعون الجزم إن كانت سجاح بنت الحارث قد أعلنت نبوتها عن قناعة روحية راسخة أم هو الطموح بالسيطرة والنفوذ مستفيدة من الأوضاع السياسية المتأزمة والفوضى في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه رغم أنه يرجح الثانية فسجاح المثقفة كان لها علو المنزلة عند قومها ورأيها كان مطاعا، وعندما وصلت بجيشها إلى اليمامة وكان زعيمها مسلمة بن الحبيب وهو مسيلمة الكذاب واسمه الحقيقي مسلمة ولكن قدامى العرب المسلمين أطلقوا عليه مسيلمة احتقارا وتصغيرا له، فقد خاف من ضخامة جيشها على ملكه وطموحه خاصة بعدما عرف أنها أبرز منافسة له على مركز الخلافة فقرر مداراتها والتودد لها وكسبها إلى جبهته وفي ذلك قال عطارد بن حاجب التميمي أمست نبيتنا أنثى نطيف بها، وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا، أي ذكورا، وفعلا كسبها مسيلمة إلى جانبه وتزوج منها ورضيت هي بالزواج منه كتكتيك فقد قدّرت أنها ستحتاجه لاحقا وأقامت معه بعض الوقت ثم علمت بالغارة الوشيكة لخالد بن الوليد على اليمامة بجيش هائل العدة والعدد فأدركت مقدار الوهم الذي تلبسها بالوصول إلى سدة الحكم، فكان أن أسلمت وتابت شكليا لتنقذ نفسها وقومها وربما لازمها لفترة شعور بالذنب أنها قد ورطت جيشها في مغامرة غير محسوبة النتائج وانصرفت عائدة إلى أخوالها في الموصل وفي الطريق بلغها خبر مقتل مسيلمة ولم تلبث أن تركت الموصل إلى البصرة لتعيش هناك بقية عمرها حتى توفيت فيها ورغم كل هذا فإن تأريخها البطولي جعلها دائمة الإحترام من قبل المثقفين والمنصفين في عصرها.
بحيث إنها عندما توفيت صلى عليها سمرة بن جندب والي البصرة، ومما يروى عنها أنها لما عادت إلى جيشها بعد زواجها سألوها هل أعطاك مسيلمة صداق الزواج أى المهر، فأجابت كلا، فاستنكروا ذلك قائلين لها هذا لا يليق بامرأة ذات مكانة وشأن مثلك، فأرسلوا موفديهم إلى مسيلمة طالبين الصداق فطلب هو بدوره مجيء مؤذنهم فلما حضر قال له مسيلمة أذن في قومك أني مسيلمة النبي أقول لكم لقد رفعت عنكم صلاتين، صلاة الفجر وصلاة العشاء، وهذا كان صداق سُجاح، ومن طريف المواقف مع مسيلمة أنه لما أتت القبائل العربية لتبايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم على نبوته قدم مسيلمة مع نفر من قومه للبيعة في المدينة فبايعوا إلا مسيلمة فقد قال أريد أن يشركني محمد بالنبوة كما أشرك موسى أخاه هارون، فسمعه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك بعرجون صغير من الأرض، وقال له والله يا مسيلمة لو سألتنى هذا العرجون الصغير لما أعطيتك إياه، والعرجون هو أصل العذق اليابس وقيل فى روايه أن مسيلمة لمّا نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها، فقالت له سجاح انزل، قال فنحّي عنك أصحابك، ففعلت، فقال مسيلمة اضربوا لها قبّة، وجمّروها لعلها تذكر الباءة، ففعلوا، فلما دخلت القبّة نزل مسيلمة فقال ليقف هاهنا عشرة، وهاهنا عشرة، ثم دارسها، فقال ما اوحي إليك ؟ فقالت هل تكون النساء يبتدئن، ولكن أنت قُل ما اوحي إليك؟ وإن الروايات تقول إن انتصار خالد بن الوليد على تمرد طليحة بن خويلد الأسدى وقضائه على مالك بن نويرة الذي اتبع سجاح ومن ثم هزيمة سجاح وقومها.
أمام خالد بن الوليد كان سببا في هروب سجاح إلى العراق فهي من الموصل ولها علاقات بفارس الذين ساعدوها في تجييش الناس لمحاربة الخلافة، وبعد انتصار المسلمين وإحكام قبضتهم على الجزيرة العربية بالكامل فكرت سجاح بالعودة والتوبة وفعلا تابت وحسن إسلامها وتوفيت في عهد الخليفة الأموى معاوية بن أبي سفيان، ولكن هل هذه التوبة تحل الكلام عن كذبها وما دار بينها وبين مسليمة خاصة أن هناك لقاء شهيرا لا يخلو من ابتذال في الحديث كان بينهما؟ فقيل أن الرأى فى ذلك يجوز في المجمل العام، ولا يجوز بسرد التفاصيل التي لم يتفق المؤرخون على صحتها، حيث إن هذه المرحلة التاريخية تعد درسا للأجيال بحلوها ومرها وخيرها وشرها، والتاريخ يحفظ أنها ادعت النبوة وكانت مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الإسلامي، ومن ثم إغفال أمرها لا يعد مناسبا، أما تفاصيل لقائها بمسيلمة فقد اختلفت فيها الروايات، فالطبرى يذكر رواية فيها دعوة مسيلمة سجاحا إلى الزواج بعد أن هيأ لها مكانا تشتهي فيه الرجال، ثم تزوجها ولم يصدقها وبعد ذلك أصدقها إسقاط صلاة العصر، ويكتفي أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه بذكر خبر زواجها من مسيلمة مبينا أن سجاح أسلمت بعد تلك الحادثة وحسن إسلامها، ويرى أحد الباحثين أن حروب الردة ارتبطت بقضية مزدوجة ذات شقين اقتصادي شرعي، وهي الحروب التي يرى عدد من الباحثين إنها لا تعني الارتداد الديني، بل هي احتجاج على طبيعة الخلافة، وخلاف بين أنحاء الجزيرة على أحقية ومآل تلك الخلافة، وإعادة السؤال حول أموال الجزية والخراج.
بين الكتل الاجتماعية غير الداخلة في الإسلام حتى ذلك الوقت لذا كان النظر إلى حروب الردة على إنها استكمال لفتح ما تبقى من الجزيرة العربية تحت شعار قتل المرتدين، ولعل هذا ما يفسر اجتماع هذا العدد الهائل من الناس حول حركة سجاح الموصلية، ويعضد هذا الرأى القصة المشهورة في كتب التراث عن موادعتها مع مالك بن نويرة والموادعة تعني المتاركة والمسالمة على ترك الحرب، وبناء على إسلام سجاح فإن الباحث يرى أنه لا يجوز التندر بقصص خيالية وضعها القصاصون والكذابون ذوو المنهج الإسرائيلي في التفكير والعداء لإسلامنا، والخلاصة فإن سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية من بني يربوع، متنبئة مشهورة، كانت شاعرة أديبة عارفة بالأخبار، تزوجت بمسيلمة وأقامت معه قليلا ثم انصرفت إلى أخوالها بالجزيرة، أسلمت بعد قتل مسيلمة، ماتت بالبصرة وصلى عليها سمرة بن جندب، فهي مسلمة حسن إسلامها وحسابها على الله في الفترة التي ادعت فيها النبوة، فالله يغفر الذنوب جميعا، وذكرها يأتى على قدر العلم بالتاريخ والله أعلم، وقيل عن مسيلمة الكذاب أنه عاش مسيلمة في كنف الكنيسة منذ طفولته، وكان يعلق صليب من الفضة في عنقه، وكان مسيلمة يردد دائما الآية التي وردت في الإنجيل “إذا أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء” وقيل أنه توفيت والدته وهو في سن الخامسة عشرة، فذهب إلى القدس وكان ذلك عام ستمائة وواحد ميلادية، ومكث فيها عامين وكان يتردد على كنائسها، وهناك تعلم اللغة اللاتينية.
وفي تلك الفترة سادت بين الأمم أخبار عن بعثة نبي أخبر عنه نبى الله عيسى بن مريم أو يسوع الناصرى، وظلت فئة من رهبان النصارى ينتظرون ظهور النبي الذي تحدث عنه الإنجيل، وكان كل واحد منهم يمني نفسه أن يكون هو النبي المنتظر، وفى عام ستمائة وثلاثة ميلادية عاد مسيلمة إلى جزيرة العرب ولكنه لم يستقر في اليمامة بل ذهب إلى عمان وهناك عمل بحارا في السفن التجارية بين عمان والهند،عام ستمائة وثمانية ميلادية تزوج مسيلمة من هاجر بنت سعد من بني تميم وأنجب منها ثلاث ذكور فقط هم حبيب وشرحبيل وثمامة، وقد عرف عن مسيلمة في تلك الفترة تدخين القنب الهندي وقد تعلمه في بلاد الهند، وفى عام ستمائة وثمانية وعشرين ميلادية عاد مسيلمة إلى اليمامة وقد وجد أنها اختلفت عما كانت عليه، لأن عددا من نصارى بني حنيفة دخلوا في الدين الإسلامي، بما في ذلك الأمير ثمامة بن آثال الحنفي الذي كان مسيحيا واعتنق الإسلام، وفي اليمامة عاد مسيلمة للعمل في الكنيسة وبدأ القديسين يشتكون له من دخول أهل اليمامة في الإسلام، وفى عام ستمائة واثنين وثلاثين ميلادية ذهب مسيلمه مرتديا صليبه مع عدد من المسلمين من بني حنيفه الذين قدمو إلى المدينة يبايعون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبايع المسلمين من بني حنيفه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، لكن مسيلمه لم يبايع معهم بل قال أريد أن يشركني محمد معه في النبوه كما أشرك موسى اخيه هارون، فسمعه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمسك عرجونا صغيرا من الأرض وقال لمسيلمة والله يا مسيلمة لإن سألتني هذا العرجون ما أعطيتة لك.
فخرج مسيلمة ولم يبايع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بل بقي على النصرانية،
وعاد مسيلمه إلى اليمامة وأخبر بعضا من قومه أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قد يشركه في النبوه معه، وحاول مره أخرى وأرسل هذه المرة رسالة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، جاء فيها من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، آلا إنى أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشا قوم يظلمون، فرد عليه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، برسالة جاء فيها ” من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من أتبع الهدى، أما بعد ” إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين” وبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت النصرانيه سجاح التميميه في شرق نجد، وأرادت غزو اليمامة مع جيشها من نصارى بني تميم، وحين علم مسيلمه بذلك عرض عليها أن تنضم إليه في مواجهة المسلمين، وتزوج مسيلمه بن حبيب من سجاح بنت الحارث، وقد ثار مسيلمة على الخليفة أبو بكر الصديق، ولكن قواته هزمت من قبل خالد بن الوليد، وقتل مسيلمة من قبل وحشي بن حرب في معركة اليمامة فى العام الثانى عشر من الهجرة، وكان عمره قد تعدى المائة عام بحسب ما ورد في تاريخ الخلفاء للسيوطي، ولم يصبح جميع أتباع مسيلمة مسلمين مخلصين، فبعد عشر سنين أعدم حامل رسالة مسيلمة التي أرسلها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مع آخرين في الكوفة حيث اعتبروا بأنهم ما زالوا على دعوة مسيلمة.