دين ودنيا

وقفه مع شهر شعبان ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع شهر شعبان، وقيل أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال، أحدها وهو أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان، فهذا محرم، والثاني وهو أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ، فجوّزه الجمهور، والثالث وهو أن يصام بنية التطوع المطلق ، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر، ومنهم الحسن، وإن وافق صوما كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا، وبالجملة فحديث أبي هريرة رضى الله عنه السالف الذكر، هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل شهر رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شهر شعبان متصلا بآخره، فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة، لغير من له عادة سابقة بالصيام، فالجواب أن ذلك لمعانى كثيرة ومنها، هو لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، وكما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، وحذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم، ولهذا نهي عن صيام يوم الشك، وقال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ولقد كان من هدى أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان، أنهم كانوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم لهم هدي كريم في هذا الشهر الكريم، يعبر عنه الصحابى الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول “كنا إذا هلّ علينا هلال شهر شعبان، نظر الولاة إلى مَن بالسجن.

فمن كان عليه حد أقاموه وإلا خلوا عنه، ونظر تجار المسلمين إلى حاجات المسلمين في شعبان ورمضان فجاءوا بها، ليتفرّغ المسلمون لطاعة الله تعالى في شهر رمضان، ونظر أهل الأموال إلى أموالهم وأخرجوا زكاة أموالهم ليتقوّى بها الفقراء والمساكين على صيام شهر رمضان” فإن الزكاة الإسلامية فرضت في هذا الشهر الكريم مع الصيام، في العام الثاني من الهجرة، والمؤمن يجعل له عاما هجريا يحسب عليه زكاته، ولا يجوز أن يجعل له عاما ميلاديا، لأن العام الهجري ينقص عن العام الميلادى، فهو ينقص إحدى عشر يوما عن العام الميلادى، فإذا حسب على الحساب الميلادى فسينكسر الحساب بعد أيام أو بعد سنين عدة، ويكون عليه دين لله عز وجل سنة أو أكثر لم يؤدى عنها زكاة، فكانوا يجعلون لأنفسهم شهرا هجريا يُؤدون فيه الزكاة ويخرجونها للفقراء والمساكين، وكان أغلبهم يستحسن أن يكون هذا الشهر شهر شعبان، لأن معظم المؤمنين يعملون باليومية والأجر ويقول حتى أغني إخواني المسلمين من الفقراء عن العمل الشاق في يوم رمضان وفي شهر رمضان، وخاصة في أيام الحر الشديد، وكانوا بعد ذلك يتمرنون على تلاوة القرآن الكريم وتجويد المخارج وحُسن التلاوة، ويتمرنون على أحكام الصيام، فإذا دخل المسلم على شهر رمضان عمل كما يقول العلم الحديث في الرياضة البدنية ، يسخّن نفسه بالصيام لصيام شهر رمضان، وأعدّ نفسه بالتلاوة للتفرغ لتلاوة القرآن فى شهر رمضان، وفرّغ نفسه من الديون التي لله تعالى وهي الزكاة ، وأغنى بها إخوانه الفقراء والمساكين ليستعينوا بها على طاعة الله.

في شهر رمضان، ودرس الأحكام مع العلماء الأجلاء حتى يكون شهر رمضان شهر عبادة خاصة لله عز وجل، وإذا كان أكابر العلماء إذا دخل رمضان تفرغوا للصيام وطاعة الله ولم يؤدوا دروسا للعلم بالمرة، فكان الإمام الشافعي له كل يوم طوال العام دروسا للعلم تمتد من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، وكان يدرّس فيها لقومٍ تلاوة القرآن وتجويده، ويدرّس لقوم بعدهم ساعة في الفقه، ولقوم بعدهم ساعة في التفسير، ولقوم بعدهم ساعة في الحديث، ويظل إلى صلاة الظهر، فإذا جاء شهر رمضان فضّ مجلس العلم وتفرّغ لتلاوة القرآن الكريم وطاعة الرحمن سبحانه وتعالى، حتى روي أنه رضي الله عنه كان يقرأ القرآن في شهر رمضان ويختمة ستين ختمة، ثلاثين ختة بالنهار وثلاثين ختمة بالليل، وهذا توفيق من الله عز وجل، وكذلك الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، كان يدرّس الحديث والفقه في المسجد النبوي الشريف، فإذا جاء شهر رمضان صرف طلاب العلم وتفرغ هو وهم للعمل بما تعلموه من العلم، من الصيام والقيام وتلاوة القرآن وذكر الرحمن سبحانه وتعالى، وأما عن يوم الشك فهو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا ؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله، وأما يوم الغيم فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه، وهو قول الأكثرين، والمعنى الثاني هو الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام.

وخصوصا سنة الفجر قبلها، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة، ولهذا يشرع صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها، ولما رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر، فقال له ” آلصبح أربعا ” رواه البخارى، وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل شهر رمضان يراد به اغتنام الأكل، لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه، فقد روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال، قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” وعلى هذا فإن الأعمال ترفع إلى الله تعالى في شهر شعبان كما صرح بذلك الحديث الشريف، وأما مضاعفة الحسنات فيه فلم نقف لذلك على دليل فيما اطلعنا عليه، والذي لا شك فيه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام فيه، كما في الصحيحين وغيرهما عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت” ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر منه صياما في شعبان” فإن شهر شعبان كغيره من الشهور، التي يجب على المسلم أن يؤدي فيها فرائض الله عز وجل، وأن يحقق طاعته تبارك وتعالى، وأن يصون النفس عن كل المحرمات والمآثم والسيئات، فيقول الله عز وجل فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة فصلت ” فاستقيموا إليه واستغفروه”

وشهر شعبان شهر قد اختص بفضائل كثيرة، فينبغي على المؤمن أن يكون مسارعا إليها، مبادرا لاغتنامها، فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وعن أبيها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه من شعبان، فإنه كان يصومه كله” وفي رواية لهما أيضا قالت “لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر منه من شعبان، فإنه كان يصومه كله” ولكن رواية صومه كله محمولة على الأكثر والمعظم منه، كما بيّنه ابن المبارك وابن حجر رحمهما الله لرواية مسلم “كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا” وقال ابن رجب رحمه الله “إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور” ويقصد بذلك الصوم المطلق، وقال الصنعاني رحمه الله “وفيه دليل أنه صلى الله عليه وسلم يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره” وقد ورد في المسند وسنن أبو دواد والنسائي وغيرهما من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” فأكثر أهل العلم على تضعيف هذا الحديث، وقالوا “إنه منكر الإسناد والمتن” ومن صححه من أهل العلم فقد حمل معناه حينئذ على من لم يوجد له عادة في الصوم، فيكره له أن يصوم بعد انتصاف شعبان قصدا للاحتياط لرمضان، بل ذلك القصد بدعة، كما ذكره بعض أهل العلم، وأنه من مقررات السنة أنه لا يجوز للمسلم الذى لا عادة له في صيام يوم وإفطار يوم.

أو صيام الإثنين والخميس فلا يجوز له أن يتقدم رمضان بصيام يوم أو يومين على جهة الاحتياط لشهر رمضان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصلمه” رواه البخارى ومسلم، وإن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة قيام، وتخصيص يومها بصيام فذلك أمر لم يأتى به دليل صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أنكره كثير من العلماء المحققين، وصرحوا ببدعيته، وأما ما حسنه بعضهم من قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله تبارك وتعالى يتجلى لعباده في هذه الليلة فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن” فليس فيه ما يفيد تخصيص هذه الليلة ولا يومها بشيء من العبادات لذاته، وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه وعن أبيه “مَن صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم” رواه أبو داود، والترمذى، فقال الله تعالى” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” وقال سبحانه وتعالى “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا” وقال تعالى “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما” فإن من أفضل القربات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم التقرب إليه بالصوم فإنه من أحب العبادات إلى الله تعالى وفيه ثواب عظيم وأجر جزيل فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال “الصيام جنة وحصن حصين من النار” رواه أحمد، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أى رب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان” رواه أحمد، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله مرني بعمل؟ قال صلى الله عليه وسلم “عليك بالصوم فإنه لا عدل له” قلت يا رسول الله مرني بعمل؟ قال صلى الله عليه وسلم “عليك بالصوم فإنه لا عدل له” قلت يا رسول الله مرني بعمل؟ قال صلى الله عليه وسلم “عليك بالصوم فإنه لا عدل له” رواه النسائي وابن خزيمة، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا” رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائى، وإذا كان الصوم بهذه المنزلة فنحن في شهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على صيام أكثره فعن عائشة رضي الله عنها قالت “ما رأيته صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان” رواه البخاري ومسلم، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان أحب الصوم إليه صلى الله عليه وسلم في شعبان” رواه أحمد، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان” رواه الترمذي وقال حديث حسن، وإن للمؤمن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock