دين ودنيا

وقفه مع الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الحق فى القرآن الكريم، وإن من صفات الحق هى الخيرية، فإن الحق ملازم للخير دائما، لا ينفصم عنه، مفارق للشر دائما لا يلتقي معه، فيقول تعالى فى سورة الأعراف “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى” ويقول تعالى أيضا فى سورة الأعراف ” إن الله لا يأمر بالفحشاء” وأيضا لننظر إلى قول جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه للنجاشى ملك الحبشه عندما هاجروا إليه، أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منذرا، نعرف نسبه، وصدقه وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآبائنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات ” رواه أحمد، ويعنى ذلك أننا كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، وترى شوف حتى الآن الغرب، والذي يقول أن الغرب متقدم، يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، يعنى الكفر، الباطل متشابه، ويأكل القوى منا الضعيف، وماذا يفعل الغرب؟ يأكلوا الضعيف، القوى يأكل الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا، فالأشياء التي جاء بها كلها خير، ولا تجد شيئا يستحيى منه في الحق، يخجل منه، فإن الحق ما فيه أشياء سرية، ولا فيه أشياء مخجلة، فليس في الحق أشياء سرية، مثل بعض الملل كالدروز، وغيرها، يقل لك، ما أقدر أقلك عقيدتي ما هي، أصلا في أشياء نحن ممنوعين نقولها، فإن الحق ما في أشياء سرية.

ولا في أشياء مخجلة، بحيث لا يوجد من يخجل من ذكرها، ويتوارك فيها، لا، فقيل فيه ” وضح الحق واستنار السبيل وعليه فعل الجميل دليل، نحمل الخير للجميع ونسعى وعلى الله ربنا السبيل” وكذلك خلو الحق من التناقض والاضطراب، فإن الحق خال من التضارب والاضطراب، وهو واحد، ولو أن هناك وجوها متعددة لفعل الحق، وسبلا متنوعة لإقامة الحق، فهو في النهاية واحد، فإذن كما قال الله تعالى فى سورة العنكبوت ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” وهذه سبل الجنة وهى كثيرة في سبيل الصلاة، وسبيل الصيام، وسبيل الصدقة، وسبيل العتق، وسبيل بر الوالدين، وهى في النهاية توصل إلى شيء واحد، هو مرضات الله تعالى وهو الجنة، شيء واحد، وهى عبادة رب واحد، والحق لا يضطرب، ولا يتذبذب، والكتب السماوية يصدق بعضها بعضا، كلها بشرة برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وإن كل الأنبياء حذروا من الدجال، وهذا هو التوارد، وكذلك فإن الحق يعين، فالتوراة، والإنجيل، والقرآن، كلها فيها التبشير برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فما من نبي إلا حذر أمته الدجال، فالتوارد على الخير تعريفا به، والتوارد على الشر تحذيرا منه، ولاحظ أن الحق ما يضطرب، وما يتغير، وما يتناقض، فيقول الله تعالى فى سورة النساء ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ” وإن من علامات الحق الوضوح، أنه أبلج، ما فيه خداع ومضاربة، فالحق أبلج، والباطل لجلج، والباطل هو، أحيانا ما تمسك شيء، تريد أن تتعرف تضبط ضوابط، ما تجد ضوابط، فإذا الحق واضح.

وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء، كما قال حسان، فقال الله تعالى فى سورة النمل ” فتوكل على الله إنك على الحق المبين” وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ” قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك “رواه ابن ماجه، بمعنى ليلها كنهارها سواء، وكذلك فإن الحق سهل الفهم، ويعنى ذلك لو قارنت بين التوحيد، وبين علم الكلام والفلسفة، تجد علم الكلام والفلسفة عسير، وصعب، وعر، مسلكه وعر، لكن تجد أن التوحيد، كما قال تعالى فى سورة الأعراف ” اعبدوا الله ما لكم من إله غيره” فهو سهل الفهم، ولا يوجد فيه ألغاز، وما في أسرار، وما في معميات، ولكن خذ لك أديان أخرى قائمة على الكهنوتيات مثلا، والرهبانيات، والفلسفيات، فتجده هضمه عسير، وفهمه صعب، مع تناقضه، أما الحق سهل المأخذ، قريب للجميع، فإن الحق مبني على الدليل والبرهان، لا على الظن والتخمين، أما الباطل، هو خرافات، وأهواء، وتقليد أعمى، وتخمين، فيقول تعالى فى سورة يونس ” وما يتبع أكثرهم إلا ظنا وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا” ويقول تعالى فى سورة البقرة ” قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” ويقول تعالى فى سورة فصلت ” سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق” وهكذا فإن الآن بعض العقائد قائمة على الرؤى الأحلام، وبعض العقائد قائمة على الأوهام، وبعض العقائد قائمة انحرافات الفكر والأسقام، ولذلك فإن بناء الحق على البرهان والدليل، من أكبر الآيات الدالة، والبينات الدالة عليه، فإن الحق لغة هو من حق الأمر.

أي ثبت وصح وصدق، وحق الخبر أي تيقن منه وصدّقه، وحق القانون أثبته وأوجبه، ويقال من حقك أن تشارك في المباراة مثلا أى يسوغ لك ذلك، ويصح ويكون من حقك، وحق الطريق بمعنى مشى في وسطه، وحق عقدة الحبل أي أحكم شدها، وحق غريمه بمعنى ضربه في حق كتفه، ويقال حقيق بكذا أي جدير به، وحقيق على كذا، أي حريص عليه، وحقت حاجة فلان أي اشتدت، وحق صغير الإبل أي بلغ السنة الرابعة من عمره، وحق فلانا غلبه في خصومته، وحق عليه العذاب أي وجب وقوعه عليه، وفي الآية الكريمة قوله تعالى ” لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون” وإن الحق فى الاصطلاح فيأتي بعدّة معانى منها هو الإذن بالشفاعة فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير” والحق اسم من أسماء الله الحسنى، والحق هو الأمر الثابت الذى لا يعتريه شك، فقال تعالى ” إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون” وهو كذلك النصيب الواجب لفرد أو جماعة، ويأتى بمعنى البعث والحساب والجزاء، فقال تعالى ” واقترب الوعد الحق فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا فى غفلة من هذا بل كنا ظالمين” والحق هو نقيض الباطل، ويطلق مفهوم الحق في القرآن الكريم على عدة معانى منها الحق هو الموجد لشيء حسب ما تقتضيه الحكمة، فقال تعالى فى كتابه العزيز ” ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق” فهو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، والحق هو الموجد الذي يوجده الله تعالى بمقتضى حكمته.

فكل فعل الله تعالى حق، ومثال على ذلك الجنة والنار، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب وما خلق الله ذلك إلا بالحق” والحق هو الاعتقاد للشيء اعتقادا مطابقا لما هو عليه، ومثال على ذلك أن يقال فلان يعتقد بالجنة والنار اعتقاد حق، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه” والحق هو الفعل والقول بحسب وقدر ما يجب، كقولنا إن قولك وفعلك حق، فقال تعالى ” وكذلك حقت كلمة ربك ” ويأتى معنى الحق فى الفقه الإسلامى بمعنى الملك، وهذا الملك لا يختص بملك المال فقط، وإنما ينطبق على جميع أنواع الملك من أعيان، وحقوق مطلقة، ومنافع، وديون، فالأعيان هي الأشياء المعينة المخصوصة كالبيت والكرسى، والمال هو الشيء المنقول أو غير المنقول الذي يكون قابلا للادخار والحيازة والانتفاع، والمنافع وهي الفوائد التي تترتب على استعمال الشيء، فالرجل حينما يستأجر دارا ينتفع بها بالسكنى والإقامة، والديون وهي وصف ثابت في الذمة، أي مقدار معين يكون في ذمة الإنسان، والحقوق المطلقة وهي تقابل المال والمنافع والأعيان وهي مصالح اعتبارية شرعية لا وجود لها إلا وفق هذا الاعتبار، كحق الكفاءة في الزواج، وحق الشفعة، فإن الإنسان كائن اجتماعى بطبعه، فهو لا يستطيع العيش منعزلا عن الناس، بعيدا عن أسرته وأصدقائه ومعارفه، ولكن هذه العلاقة التفاعلية محكومة بمجموعة من الأسس والقوانين التي ضمنتها الديانات في نصوصها الشرعية كحقوق فطرية، أو قد يكون المجتمع هو من فرضها على الأفراد، كي تسير العلاقة بين أفراد المجتمع دون مشاكل.

أو اضطرابات، وإن مصطلحى الواجبات والحقوق، ليمثلان دائرة تفاعلية متكاملة حول الكيفية التي يسير فيها المجتمع، إذ دون تقديم الواجبات، لا يمكن الحصول على الحقوق والعكس صحيح، والحقوق هي الأمور التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان على وجه هذه الأرض، ولا يحق لأى أحد إلغاؤها أو انتقاصها، وقد عملت المواثيق الرسمية والهيئات الدولة على سن تلك الحقوق ضمن دساتيرها، وإن من أنواع الحقوق هى حقوق طبيعية، وهي الحقوق التي يولد بها الفرد، أي أنها حقوق فطرية، ومن الأمثلة عليها هو حق الحرية، وحق الحياة وغيرها من الحقوق الكثيرة التي تولد مع الإنسان لكونه إنسانا، وهي حقوق ثابتة، وأيضا فإن هناك حقوق وضعية، وهي الحقوق التي تسنها وتضعها القوانين الوضعية أى وضعها البشر، وكذلك الأعراف والقواعد، ومن الأمثلة عليها هو الحق في العمل، والحق قي التنقل، والحق في السكن، وهي حقوق متغيرة بتغير الأعراف والقوانين، شرط أن تكون مستقاة من الحقوق الطبيعية وغير متنافية معها، وأمثلة على الحقوق، هو حق التعبير عن الرأى، وحق اللعب للأطفال، وحق التعلم، وحق المساواة دون تفريق أو تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، وأيضا حق حرية التنقل، وحق حرية العقيدة، وأما عن تعريف الواجب، فهو الإلزام الأخلاقى الذي يلزم به الفرد نفسه، والذي يؤدى تركه إلى مفسدة، وأما عن أنواع الواجبات فإن هناك الواجب الأخلاقى، وهو العمل الذي يوافق عليه الضمير الخلقي، ويلزم الشخص بأدائه، وأيضا الواجب الاجتماعى.

وهو مجموعة القواعد التي تصدر إلى الفرد من قبل الجماعة، وهذا النوع من الواجبات له دور كبير في المحافظة على تكامل المجتمع، إذ لا يمكن لأحد أن يحصل على حقوقه من دون أن يقوم الآخرون بواجباتهم، وأمثلة على الواجبات، وهو واجبات تجاه المجتمع والوطن، مثل واجب التضحية والإخلاص للوطن، والدفاع عنه، وأيضا واجبات تجاه المدرسة، مثل واجب المحافظة على نظافة المدرسة، وواجب حل الواجبات المدرسية، واجبات تجاه الأسرة، مثل واجب المحافظة على نظافة البيت، وواجب مساعدة الأخوة في الدراسة، وأيضا فإن هناك واجبات تجاه القانون، مثل الالتزام بقوانين السير، وقوانين المحافظة على الممتلكات العامة، وأيضا فإن هناك واجبات دينية، وتعنى الامتثال لما جاءت به الأديان السماوية، مثل واجب الصلاة وغيرها، وإن الحق كثيرا ما تتردد على ألستنا وفي مجالسنا كلمة الحق في معرض الحديث عن مسائل وأحوال وظروف مختلفة في الحياة، فالإنسان ومنذ أن خلقه الله تعالى على الأرض جعل له حقوقا في أمور كثيرة أولها الحق في الحياة، ومعنى أن يكون له الحق فى الحياة أى أن الحياة هي أمر واجب له ولازم بصفته الإنسانية ولا يستطيع أحد أن ينتزع هذا الأمر الواجب له إلا باعتدائه هو على حق غيره في الحياة بالقتل فيقتل تحقيقها للعدالة الربانية في الأرض، كما يأتي الحق في مفهومه بمعان كثيرة ومنها أن الحق هو الله سبحانه وتعالى حيث يعتبر الحق هو اسم من أسماء الله تعالى وصفة لازمة له، فقال تعالى ” ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock