الاتحاد الدولي للمثقفين العرب يسلط الضوء علي دراسات نقدية إبداعية
متابعة – علاء حمدي
سلطت الدائرة اللغوية والأدبية والعلمية للاتحاد الدولي للمثقفين العرب الضوء علي دراسات نقدية ابداعية لقصيدة《 يا منقذ الغرقى 》 للأديب والشاعر العراقي حمزة المهندس
د نبيل العريقي : في دراسة نقدية هي الاولى من نوعها أجدني أمام قصيد من نوع آخر وبطعم آخر ومعاني آخرى بل أجدني أمام حالة من الحزن العميق الذي اجتاحني فتقمصت كل هذه الأحاسيس حتّى غرقت في شجن كبير … ولا أظنّ من يمر بهذه الرؤية الشعرية الاسطورية السردية لا يتقمص دور الاديب والشاعر العراقي / حمزة المهندس صاحب هذه القصيدة التي تدمي القلب وتدمع لها العين
إذن هو قصيد عمودية في البحر البسيط بامتياز لها مساحتها المترامية وآفاقها الممتدة ضمن الشعر والايمان بالله
استطاع الشاعر بعبقريته ان يلبسها القناع والتراث في ضوء فقه الواقع وبقدرة ابداعية نادرة
وعليه استطاع شاعرنا ان يصول فيها ويجول ويتدفّق فيها ليسكب جام حزنه وحرقته في الحادثة التى بين ايدينا بالابتهال للخالق المطلق
ليستهل الشاعر قصيدته بالعنوان مخاطبا الله تجلت قدرته في انقاذ الغرقى باستخدام يا المخاطب بجملة إخبارية ليعلن عن المكان والزمان والحدث وكأنني اسمع الخبر في نشرة إخبارية أو أقرأه في صحيفة
فكأن شاعرنا أراد لفكرته أن تصل ويعرف بها كل العالم ويعيش مع مصابه بهذه الفاجعة التي أرخ لها بنزف من قلبه ترك أثره جرحا بليغا لا أظنه يندمل بفعل الانفعالات
ومنطلقا من الشعر والايمان بالله بين القناع والتراث وفقه الواقع بناء نسبج اركان قصيدته بعد ان رسم شكلها الهندسي
وعلى هذا الاساس مثلت قضية الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ديننا الإسلامي مرحلة متقدمة عند شاعرنا المهندس ﻹنها تعني اليقين المطلق بوحدانيته سبحانه تعالى والامتثال اللامحدود بأوامره والابتعاد عما نهى عنه في كتابه وسنة نبيه والرضى بالمكتوب والقضاء والقدر
ولذلك وجدنا ان الايمان بالله عند شاعرنا لديه قوة سحرية على تحريك قدراتت ومنها وجدانه الأدبية الشعرية فتأججت على أثره عواطفه واحاسيسه التي بدورها تفجرت ابداعا من اعماقه
ولما كان الشعر والايمان بالله يعد اعلى قمة في الابداع فقد وجدنا كثرة تجارب الشعراء مع هذه الحالة الي درجة الذوبان في الحب الالهي الذي عرف عند شعراء الزهد والصوفية •
وعندما التمسنا هذا النوع من الشعر عند شعراء العربية الذين يجسد الايمان بالله قلوبهم وعقولهم في بيئة اعيتها الصراعات وجدناه عند شاعرنا المهندس حمزة المهندس
والذي و بدون شك كان بايمانه راسخا عميقا لا يتزعزع لانه انطلق من تجربة افضت به الى اليقين المطلق بحتمية الايمان بقضاء الله وقدره
وهذا ماحدث مع شاعرنا وكان عليه من باب اولى ان يصور الحادثة بشعر وجداني صادق عميق يعطي دلالة اكيدة على ايمانه العميق بعدل الله وانصافة
وهذا ما حدث مع شاعرنا حمزة المهندس
لنستمع اليه وهو يصور ذلك بقوله
《《بحر البسيط》
قصيده تحاكي قصة لغريق في البحر كتبتها بعنوان
يا منقذ الغرقى
ليلاً وفي البحر ِوالامواج عاليةُ
نادى غريقٌ ووسطَ البحرِ لا سُبلُ
ويشهقُ الموت َفي أنفاسِه غُصصاً
وعينُه لله في رجواه يبتهلُ
يكرر القول في صوت يجلجله
انت الغياث فقد ضاقت بيَّ الحيلُ
وحينها في جوار البحر مملكةٌ
كانت على رأسها السلطان ُمنشغلُ
يدور في قصره حيران في قلقٍ
فقال للجند لو للبحرِ ننتقلُ
عسى هناك تطيب النفسُ من ضجر
في رحلةٍ وعساه يقتل الكسلُ
وإذ بصوت منادٍ راح يُفزعه
ماذلك الصوت؟فوراً اسرَع الرسلُ
فانقذوه وكاد البحرُ يقتله
وكم سواه بذاك الحال قد قتلوا
سبحان من أرّق السلطان في قصره
ليلا لينقذكم لا غيره رجلُ
رباه يا منقذَ الغرقى ومنجدهم
انت الرجاء فقد ضاقت بنا السبلُ
حمزه المهندس
وبعد قراءتي لنص القصيدة تولدت في ذهني اسئلة
هل هذه القصيدة عندالشاعر كانت وليدة المعاناة ام وليدة الموهبة والتفكر والنظرة الواعية الثاقبة…
هل القصيدة وليدة أوقات الصدفة والنزوة الابداعية ورهين العزلة ومواجهة الذات؟!
أم وليدة التدبر العميق في قضايا وهموم الإنسانية؟
وهذا ما قادنا إلى** كيفية ولادة لحظة الإبداع عند شاعرنا في خضم دخوله دائرة الانعزال عن الفكرة والقضية الإنسانية وعلاقاته السببية والمنطقية والتخطيط المسبق لولادة نص القصيدة وإنشائه بهذا الاسلوب الخارج عن المالوف ؟!
هل هذا التوجه هو الذي يدعو الشاعر للغياب واللاحضور ليتخفى بمعاناته خلف أسوار القناع القصيدة؟
هل الشاعر وهو يعد مؤلفا للنص يريد أن ينعتق من القراءات المسبقة… والقراءات التي تنقب في النوايا… وفي قصديته…
وهل اخطأنا عندما قولنا أن فكرة القصيدة ولدة في لحظة كتابة النص كانت هروبا من مشارط الواقع الأيديولوجي أو الديني أو التاريخي أو الاجتماعي والنفسي الخ
وتاسيسا على ذلك اقول ان نص قصيدة بهذه التفكير والتدبر والوعي والمعرفي…
لشاعر وجداني برع في صياغة الفكرة العميقة التي توازي هما من هموم المجتمع في قالب الايمان بالله والقضاء والقدر خيره و شره
العاطفة والخيال
العاطفة والخيال عند الشاعر المهندس هي ذلك المنبع المشحون بالمشاعر الفياضة الذي كلما أغترف منه ازداد جريانا — كونه يمده بكل الشحنات الوجدانية اللازمة ليشكل الصورة الشعرية والخيال الواسع — وما ذلك إلا لأن الصورة الشعرية والخيال مثل [[ ثمرة عاطفة شاعرنا الخاصة وما يشعر به في نفسه ازاء الاشياء بعد ان تمزج بمشاعره وما يضفيه عليها من حالاته النفسية الوجدانية ]]
ونتيجة لذلك فان العاطفة بذلك عنصر مهم لفاعلية الصورة الشعرية بما تضفي عليها من طراوه وعذوبة تبعدها عن الجمود والجفاف من خلال ترجمة الشاعر احاسيسه وما يجول بداخله من صدق شعوري يكسب تجربته النجاح المطلوب •
ولكي تمتلك الصورة والخيال القدرة على التأثير ينبغي ان تكون ذات مسحة عاطفية وخيالية — صادقة وقوية ومعبرة عن شعوره الداخلي كانت أكثر وضوحا وجمالا ولذلك فإن : [[ العواطف والخيال والصور يجب ان يتزاوجا ليذوب كلا منهما في الاخر طبيعيا في نشوة فنية]]
ان بدوري استنتجت ان الابداع الشعري ليس مجرد اختيار ألفاظ وصياغتها في قوالب جامدة لا روح فيها
ولكنه [[ عملية معقدة يشترك فيها الخيال والوقار والثقافة الواسعة والتصريف العجيب لاستثارة المعاني وتشكل الصور
ومن خلال ذلك برزت العاطفة والخيال عند شاعرنا بكل جلاء كانها الروح للجسد من خلال اعذب واروع معاني الحكمة والتذكير
لقد افضت عاطفة الشاعر وما جاش في وجدانه وذهنه من احساس ومعاناة ليترجمها بعلاقات لغوية على هيئة صور خيم عليها جو الايمان بالله فاكسبها صدقا شعوريا متناهيا جعل منها صورا حية تتحدث عن سلوك المجتمعات مقابل سلوكه
ان اشتراك علاقة شدة الارتباط العاطفي والسلوك والقيم اذا استحضارت ومزجت بالخيال و الصور وتم مزجها واخلطها مع العاطفة يؤدي الى اكساب الصورة الشعرية قدر اكبر من الاهمية والتأثير في المتلقي الى درجة الاستمتاع بالعمل الفني وهذا ما فعله شاعرنا المتالق
ولنقف لحظة أمام فكرة السببية والمناسبة، سبب ولادة نص القصيدة والهدف من كتابتها
إن الكلام التالي يشير ضمنيا إن النص يولد من دون هدف أو فكرة محرضة لكتابة النص، وهذا يلغي فكرة العمل والتخطيط المسبق ليس للنص وحده بل للحياة كلها… وأن الشاعر يعيش مرحلة من التهيام والتنقل والرصد تمكنه عبر الصدفة فقط وكرم الحالة الشعرية من كتابة القصيدة
وهذا يلغي فكرة السببية وراء حدوث الأشياء التي تربطنا بجدل كوني فلسفي عميق مرتباط بالخالق تجلت قدرته
فهل الحادثة وليد مصادفة، ام هناك مسبب لها، وقضاء وقدر يحرك كل الكائنات البشرية وغير البشرية.
وبع تعمقي بقراءة نص القصيدة وجدت نفسي مرتبط ذهنيا بنظرية فلسفية وأدبية ترتبط بقول الشاعر بصفة كبيرة وهي نظرية
ذ《《 موت المؤلف 》》 للناقد الفرنسي رولان بارت الذي انحى المؤلف جانبا من قراءة العمل الإبداعي وقال إن جهد المؤلف انتهى عند حد إصدار العمل الادبي
وبدأ دور القارئ والناقد هنا في تحليل النص ولكن بارت نفسه لم يحرم المؤلف من سلطة كتابة النص وممارسة كافة حيثيات الكتابة ورصد الأهداف والأسباب المنشئة لأي نص
ومن خلال هذا الدورة الادبية اقول ما إن فرغ المؤلف من كتابة نص قصيدته يامنقذ الغرقى
الزمنا انفسنا بان لا نقرأ النص من خلال سلطة مؤلفه
ولكن من خلال عوالم القراءة وآليات ومنهجيات تلقي النص الأدبي. وهذا كلام منطقي لسبب مهم وهو عدم قراءة العمل وفق نية وقصدية المؤلف أو أيديولوجيته وانتمائه لتيار محدد
اعتقد ان القصيدة أفضت إلى خلل بمعادلة إنسانية وفلسفية وهي الأسباب والنتائج، فإذا كان النص هو النتيجة فأين هو المسبب… وهذه إشكالية تسرب روح العدمية والنزعة الذاتية وعدم ربط النص بشكل خاص والأشياء في الحياة بشكل عام بشبكة علاقاتها المنطقية والعقلية المسلم بها منطقيا ولكن انا اعذر الشاعر فيما ذهب اليه بستخدام القناع والتراث والاسطورة الملحمية والحكمة والاثر في سرد رؤيته الشعرية لان الواقع لا يرحم وهذا حال شعراء العرب والعربية العباقرة
اعتقد ان الحادثة اوحت للشاعر من فرصة الحادثة وربطها بالايمان بالله كطقوس معرفية وجمالية حقيقية
قصبدة بهذا الحجم والاسلوب لا اريد الانعزال بها على ذواتنا والاشاحة بها عن وجه المعرفة واستراتيجية كتابة النص
وهو ما جعلنا اضيف أيضاً ان الكلام السابق يحيل لقضية أخرى وهي قضية التعالق الايبستومولوجي والمعرفي في النص، فكون الشاعر لا يأخذ أي موقف معرفي وجمالي لنصه
يعني أنه لم يقرأ قراءات مسبقة يقوم باقتباسها واعادة إنتاجها شعريا وبجمال لغوي وبكثافة شعرية
فالشاعر المهندس شاعر عميق هو الذي اتحفنا بانتاج قصيدة إنسانية عميقة بمعرفتها بالإنسان هذه المعرفة مقترنة بذكاء الشاعر، الذي يلتقط الهم والوجع الإنساني بصوره وخياله الشعري ليربطها بمعرفة الايمان بالله ومعرفة إنسانية تاريخية واجتماعية وسيكولوجية تغني هذا النص الذي يعالج قضايا الإنسانية لا عن طريق البداهة والاستعراض بل عبر الوعي العميق والدربة والقراءة والفكر الأصيل الذي يعد دوما بولادة ما هو ثمين ونفيس يكون فسيفساء من الجمال الفني والأسلوبيات والحفر في عمق آبار المعرفة التي لا أتصور أن يوجد شاعر يصنف بأنه مبدع لا يمر على أبوابها ولا يطلبها اجتهادا منه في تقديم نص شعري يليق بمعطيات حضارة لغة الضاد لغتنا العربية التي وفرت أمام المثقف كل السبل كي ينهل من ينابيع الثقافة والمعرفة .