دين ودنيا

وقفه مع نبى الله حزقيل ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله حزقيل عليه السلام، وقد توقفنا مع قوله تعالى “وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم” وهو تبيين من الله تعالى أن أسلافهم تمردوا على موسى وعصوه فكذلك هؤلاء على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تسلية له، أي يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا قصة نبى الله موسى عليه السلام، وقوله تعالى “وجعلكم ملوكا” أي تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين، فأنقذكم منه بالغرق فهم ملوك بهذا الوجه، فقال السدي أنه ملك كل واحد منه نفسه وأهله وماله، وقال قتادة إنما قال وجعلكم ملوكا لأنا كنا نتحدث أنهم أول من خدم من بني آدم، وقال ابن عطية وهذا ضعيف لأن القبط قد كانوا يستخدمون بني إسرائيل، وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم كان يسخر بعضا مذ تناسلوا وكثروا، وإنما اختلفت الأمم في معنى التمليك فقط، وقيل جعلكم ذوي منازل لا يدخل عليكم إلا بإذن، وروي معناه عن جماعة من أهل العلم فقال ابن عباس إن الرجل إذا لم يدخل أحد بيته إلا بإذنه فهو ملك، وعن الحسن أيضا وزيد بن أسلم من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملك وهو قول عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما كما في صحيح مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال نعم.

قال ألك منزل تسكنه ؟ قال نعم، قال فأنت من الأغنياء، قال فإن لي خادما، قال فأنت من الملوك، وقال ابن عباس ومجاهد أن الله تعالى جعلهم ملوكا بالمن والسلوى والحجر والغمام، أي هم مخدومون كالملوك، وعن ابن عباس أيضا يعني الخادم والمنزل وقاله مجاهد وعكرمة والحكم بن عيينة، وزادوا الزوجة وكذا قال زيد بن أسلم إلا أنه قال فيما يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من كان له بيت أو قال منزل، يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك” ويقال من استغنى عن غيره فهو ملك وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم “من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” وقوله تعالى “وآتاكم” أي أعطاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين والخطاب من نبى الله موسى لقومه في قول جمهور المفسرين وهو وجه الكلام، وقول مجاهد، والمراد بالإيتاء المن والسلوى والحجر والغمام، وقيل كثرة الأنبياء فيهم، والآيات التي جاءتهم، وقيل قلوبا سليمة من الغل والغش، وقيل إحلال الغنائم والانتفاع بها، ولكن قيل أن هذا القول مردود فإن الغنائم لم تحل لأحد إلا لهذه الأمة على ما ثبت في الصحيح، وهذه المقالة من نبى الله موسى توطئة لنفوسهم حتى تعزز وتأخذ الأمر بدخول أرض الجبارين بقوة، وتنفذ في ذلك نفوذ من أعزه الله ورفع من شأنه، ومعنى من العالمين أي عالمي زمانكم، وعن الحسن وقال ابن جبير وأبو مالك أن الخطاب لأمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا عدول عن ظاهر الكلام بما لا يحسن مثله، وتظاهرت الأخبار أن دمشق قاعدة الجبارين، والمقدسة معناه المطهرة، والمباركة والبركة التطهير من القحوط والجوع ونحوه وهي الشام وقيل الطور وما حوله وقال ابن عباس والسدي وابن زيد هي أريحاء وقال الزجاج هى دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقول قتادة يجمع هذا كله، وقوله تعالى “التي كتب الله لكم” أي فرض دخولها عليكم ووعدكم دخولها وسكناها لكم ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر أمرهم بجهاد أهل أريحاء من بلاد فلسطين فقالوا لا علم لنا بتلك الديار، فبعث بأمر الله اثني عشر نقيبا، من كل سبط رجل يتجسسون الأخبار على ما تقدم، فرأوا سكانها الجبارين من العمالقة، وهم ذوو أجسام هائلة حتى قيل إن بعضهم رأى هؤلاء النقباء فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملك فنثرهم بين يده وقال إن هؤلاء يريدون قتالنا فقال لهم الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا على ما تقدم وقيل إنهم لما رجعوا أخذوا من عنب تلك الأرض عنقودا فقيل حمله رجل واحد، وقيل حمله النقباء الاثنا عشر، ويقال إنهم لما وصلوا إلى الجبارين وجدوهم يدخل في كم أحدهم رجلان منهم ولا يحمل عنقود أحدهم إلا خمسة منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبه خمسة أنفس أو أربعة، وقيل لا تعارض بين هذا والأول فإن ذلك الجبار الذي أخذهم في كمه ويقال في حجره، هو عوج بن عناق .

وكان أطولهم قامة وأعظمهم خلقا، وكان طول سائرهم ستة أذرع ونصفا في قول مقاتل، وقال الكلبي كان طول كل رجل منهم ثمانين ذراعا، والله أعلم، فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع وكالب بن يوقنا، وامتنعت بنو إسرائيل من الجهاد عوقبوا بالتيه أربعين سنة إلى أن مات أولئك العصاة ونشأ أولادهم ، فقاتلوا الجبارين وغلبوهم، وأما عن قوله تعالى “ولا ترتدوا على أدباركم” أي لا ترجعوا عن طاعتي وما أمرتكم به من قتال الجبارين، وقيل لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته، وقوله تعالى “قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين” أي عظام الأجسام طوال، ويقال نخلة جبارة أي طويلة، والجبار المتعظم الممتنع من الذل والفقر، وقال الزجاج أن الجبار من الآدميين العاتي، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد فأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه فإنه يجبر غيره على ما يريده وأجبره أي أكرهه، وقيل هو مأخوذ من جبر العظم فأصل الجبار على هذا المصلح أمر نفسه، ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو باطل، وقيل إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه، ثم قيل كان هؤلاء من بقايا عاد ، وقيل هم من ولد عيصوا بن إسحاق، وكانوا من الروم، وكان معهم عوج الأعنق، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا، قاله ابن عمر، وكان يحتجن السحاب أي يجذبه بمحجنه ويشرب منه، ويتناول الحوت من قاع البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله.

وحضر طوفان نوح عليه السلام ولم يجاوز ركبتيه وكان عمره ثلاثة آلاف وستمائة سنة، وأنه قلع صخرة على قدر عسكر نبى الله موسى ليرضخهم بها، فبعث الله طائرا فنقرها ووقعت في عنقه فصرعته، وأقبل نبى الله موسى عليه السلام وطوله عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع وترقى في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلا كعبه وهو مصروع فقتله، وقيل بل ضربه في العرق الذي تحت كعبه فصرعه فمات ووقع على نيل مصر فجسرهم سنة، وقال الكلبي أن عوج من ولد هاروت وماروت حيث وقعا بالمرأة فحملت، والله أعلم، وأما عن قوله تعالى” إنا لن ندخلها ” ويعني البلدة إيلياء، ويقال أريحاء حتى يخرجوا منها أي حتى يسلموها لنا من غير قتال، وقيل قالوا ذلك خوفا من الجبارين ولم يقصدوا العصيان فإنهم قالوا فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، وأما عن قوله تعالى ” قال رجلان من الذين يخافون” قال ابن عباس رضى الله عنهما وغيره هما يوشع وكالب بن يوقنا ويقال ابن قانيا، وكانا من الاثني عشر نقيبا ويخافون أي من الجبارين، وقال قتادة أنهم يخافون الله تعالى، وقال الضحاك هما رجلان كانا في مدينة الجبارين على دين موسى عليه السلام فمعنى يخافون على هذا أي من العمالقة من حيث الطبع لئلا يطلعوا على إيمانهم فيفتنوهم ولكن وثقا بالله، وقيل يخافون ضعف بني إسرائيل وجبنهم، وأما عن “أنعم الله عليهما” أي بالإسلام أو باليقين والصلاح وأما عن “ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”

فقالا لبني إسرائيل لا يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبا منكم فأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة، وكانوا قد علموا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب، ويحتمل أن يكونا قالا ذلك ثقة بوعد الله، ثم قالا وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين مصدقين به فإنه ينصركم ثم قيل على القول الأول لما قالا هذا أراد بنو إسرائيل رجمهما بالحجارة، وقالوا نصدقكما وندع قول عشرة ثم قالوا لموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها وهذا عناد وحيد عن القتال، وإياس من النصر، ثم جهلوا صفة الرب تبارك وتعالى فقالوا فاذهب أنت وربك وصفوه بالذهاب والانتقال، والله متعال عن ذلك، وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة وهو معنى قول الحسن لأنه قال هو كفر منهم بالله، وهو الأظهر في معنى الكلام، وقيل أي أن نصرة ربك لك أحق من نصرتنا، وقتاله معك إن كنت رسوله أولى من قتالنا فعلى هذا يكون ذلك منهم كفر، لأنهم شكوا في رسالته وقيل المعنى اذهب أنت فقاتل وليعنك ربك وقيل أرادوا بالرب هارون، وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه، وبالجملة فقد فسقوا بقولهم لقوله تعالى “فلا تأس على القوم الفاسقين” أي لا تحزن عليهم، وإنا هاهنا قاعدون أي لا نبرح ولا نقاتل، ويجوز ” قاعدين ” على الحال لأن الكلام قد تم قبله، وأما عن قوله تعالى “قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي” لأنه كان يطيعه، وقيل المعنى إني لا أملك إلا نفسي، ثم ابتدأ فقال وأخي، أي وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه.

وقوله تعالى “فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين” يقال بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة فالأول بما يدل على بعدهم عن الحق، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ولذلك ألقوا في التيه، والثاني بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب، وقيل المعنى فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ومنه قوله تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” أي يقضى، وقد فعل لما أماتهم في التيه، وقيل إنما أراد في الآخرة، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار، وقوله تعالى “قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض” فقد استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التيه أربعين سنة، وأصل التيه في اللغة الحيرة، والأرض التيهاء التي لا يهتدى فيها فكانوا يسيرون في فراسخ قليلة وقيل في قدر ستة فراسخ، يومهم وليلتهم فيصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا فكانوا سيارة لا قرار لهم، وقد اختلف هل كان معهم نبى الله موسى وهارون عليهما السلام؟ فقيل لا، لأن التيه عقوبة، وكانت سنوات التيه بعدد أيام العجل، فقوبلوا على كل يوم سنة وقد قال” فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين” وقيل كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ، ومعنى محرمة أي أنهم ممنوعون من دخولها وكما يقال حرم الله وجهك على النار، وحرمت عليك دخول الدار، فهو تحريم منع لا تحريم شرع، عن أكثر أهل التفسير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock