دين ودنيا

وقفه مع رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع رحلة الإسراء والمعراج، وإن الإسراء والمعراج هى أطول رحلة عرفتها البشرية، وهى رحلة من الأرض إلى السماوات العلا، وهى معجزة إلهية وآية منَّ الله تعالى بها على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأكرمه وأنزل الأنس والسكينة على قلبه بها، ولأهميتها فقد ذكرت في القرآن الكريم في سورتين الأولى سورة الإسراء حيث ذكر فيها الإسراء، وسورة النجم التي ذكر فيها المعراج، وقد توقفنا مع البراق وهو الدابة الذي حمل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس خلال رحلة الإسراء والمعراج، وقد أجمع أهل العلم أن حجمها أصغر من البغل وأكبر من الحمار، لحديث الرسول في السابع والعشرين من شهر “أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه” رواه مسلم، وقيل أن لونه شديد البرق واللمعان فمن هنا اشتق اسمه البراق، وأما عن توقيت حادثة الإسراء والمعراج فقد اختلف العلماء في توقيت حدوث الإسراء والمعراج، فقال بعضهم إنها وقعت قبل الهجرة بعام وهو ما ذهب إليه الإمام النووي، وقال ابن حزم إن هذا القول مجمع عليه، وذهب آخرون إلى أنها كانت قبل الهجرة بخمس سنين وهو قول القاضي، كما اختلف في الشهر الذي حدثت فيه، فمنهم من قال إنها في الليلة السابعة والعشرين من شهر ربيع الأول، وقال بذلك ابن الأثير والنووي وجمع آخر، وقيل إنها كانت في شهر رجب، وقيل في رمضان، وقيل إنها كانت في شوال، وإن الإسراء والمعراج هي معجزة.

من أكبر معجزات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي نعمة أنعمها الله تعالى على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وشرفه بها، وعلى المسلم أن يؤمن بها، فقد اعتبرها علماء الأصول واحدة من الاعتقادات التي يجب على المسلم الإيمان بها، والإسراء من السرى، وهو انتقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى بيت المقدس بصحبة الملك جبريل عليه السلام ممتطيا البراق، أما المعراج فهو صعود الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مع جبريل عليه السلام إلى السماوات، وقد أسري به بروحه وجسمه، فدخل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المسجد الأقصى وصلى فيه إماما بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، ومر في كلّ سماء بنبى من الأنبياء، فكان يسلم عليهم ويردون عليه، إلى أن وصل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى سدرة المنتهى، وبعدها إلى البيت المعمور، ومما روي عن تلك الليلة أنه أتي إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بإناء من خمر، وآخر من لبن، وثالث من عسل، فاختار اللبن، كما فرض الله تعالى في تلك الليلة على المسلمين الصلاة خمسين صلاة، فراجع صلى الله عليه وسلم، الله تعالى فخففها إلى خمس صلوات، وحين عاد أخبر المشركين بما رآه فكذبوه، فكشف الله تعالى له عن بيت المقدس فوصفه لهم، ولقد فضل الله سبحانه وتعالى ليلة الإسراء والمعراج عن غيرها بفضائل عديدة، فهى معجزة أيد الله تعالى بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الرحلة معجزة كبرى من المعجزات التي أيّد الله بها نبيه.

الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فصلى بالأنبياء، ورأى من آيات ربه الكبرى، وشاهد جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله تعالى عليها، وصعد حتى وصل إلى سدرة المنتهى، فقال تعالى ” أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وكذلك من فضائلها هو الأمر بالصلاة وفرضها فقد امتازت الصلاة بأن الله تعالى فرضها من فوق سبع سماوات، في حين أن غيرها من الفروض والعبادات كان الوحي يتنزل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على أهمية الصلاة وعظم مكانتها، ومن فضلها أيضا أن الله عز وجل فرضها خمسون صلاة في اليوم والليلة بداية، ثم خففها لخمس صلواتٍ بأجر خمسين، وأيضا من فضائلها هو حادثة شق الصدر للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر يتناسب مع الرسالة التي بعث الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تهيئة للنبي صلى الله عليه وسلم لما سيواجهه في رحلة الإسراء والمعراج معنويا وجسديا، حيث أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام فشق صدره صلى الله عليه وسلم، وغسله بماء زمزم وملأه إيمانا وحكمة، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده فى مكانه”

فإن صلح القلب صلحت باقي الأعضاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وغذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب” وإن البراق هو من أعظم ما كرم الله تعالى به رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، حيث أرسل له جبريل عليه السلام يحمله على البراق، فأعزه الله تعالى وكرمه كما يكرم أهل الجنة بدخولها راكبين، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب فلما نزل عنها ربطها كي لا تفلت، وهو أمر لا يتنافى مع التوكل والبراق هو دابة تشبه سائر الدواب، وحجمه متوسط بين الحمار والبغل، وكذلك المسجد الأقصى وفيه إشارة ودلالة لعموم رسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وعالميتها، فدعوته عامة لكل بلد، كما أنه صلى الله عليه وسلم، صلى إماما بالأنبياء فيه، وفيه دلالة على أن رسالة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هى ناسخة لجميع الرسالات السماوية قبله، وإن الإمامة بحد ذاتها تدل على الاقتداء، فقد اقتدى به الأنبياء حينما صلوا خلفه، وكانت دعوتهم جميعا إلى الإيمان بالله والابتعاد عن الشرك، كما ربطت هذه الرحلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ودعت إلى شد الرحال إليهما، والعمل على تطهير مثل هذه الأماكن المقدسة من كل شرك، وكذلك علو الله تبارك وتعالى، فقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا حتى وصل إلى سدرة المنتهى وكلمه الله تعالى، فقال تعالى “ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات” تأكيد هوية القدس الإسلامية.

والتخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواساته وتثبيته فقد لاقى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من قومه الأذى والإعراض، ثم وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه، وفي ذات الوقت كان قد فقد زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب، اللذين كانا لهما دوراً كبيرا في مناصرته، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حزنا شديدا، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تخفيفا من الله سبحانه وتعالى لقلب نبيه صلى الله عليه وسلم، تعزيز مشاعر الأبوة وإظهارها، حيث شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آدم عليه السلام يفرح لفرح بني البشر ويحزن لحزنهم، وهذا هو حال جميع الآباء تجاه أبنائهم، قول الحق مهما كانت نتائجه، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث معه في هذه الليلة، ولم يأبه لتصديقهم له أو تكذيبهم، وهكذا يعرف الإسراء بأنه مرافقة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في يت المقدس، ركوبا على البراق، أما المعراج فهو صعودهما معا من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، وقد ورد ذكر هذه الرحلة في القرآن الكريم والسنة النبوية وأثبتها الصحابة رضوان الله عليهم، وقد كان الإسراء والمعراج وعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في الليلة نفسها، وقد وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه، ثم جاءت بعدها رحلة الإسراء والمعراج ليثبت الله بها قلب نبيه.

الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حيث أسرى الله عز وجل نبيه بصحبة جبريل عليه السلام على دابة البراق ليلا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فربط النبي صلى الله عليه وسلم الدابة عندما وصل بحلقة على باب المسجد، ودخل وأم بالأنبياء، ثم صعد به جبريل على البراق حتى وصلا إلى السماءِ الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له ووجد بها آدم عليه السلام، ثم إلى السماء الثانية فوجد بها يحيى وعيسى بن مريم عليهما السلام، ثم إلى الثالثة فوجد بها يوسف عليه السلام، ثم إلى الرابعة فوجد بها إدريس عليه السلام، ثم إلى الخامسة فوجد هارون عليه السلام، ثم صعد إلى السماء السادسة فوجد موسى عليه السلام، ثم إلى السماء السابعة فوجد الخليل إبراهيم عليه السلام، وفي كل سماء كان يرحب به ويقر النبي صلى الله عليه وسلم الموجود فيها بنبوته صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل حتى وصل سدرة المنتهى والبيت المعمور، ثم منها إلى الله سبحانه وتعالى، ففرض عليه خمسون صلاة، فلما عاد ومر على نبى الله موسى عليه السلام سأله عما فرضه الله عليه، فأخبره النبى صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يعود ويطلب من الله أن يخفف عن أمته، فنظر النبى صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فأجابه، فعاد خففها إلى أربعين صلاة، وما زال يفعل ذلك حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة الخمر واللبن، فأخذ اللبن، وشاهد أربعة أنهار اثنان ظاهران وهما النيل والفرات، فدل ذلك على انتشار رسالة الإسلام، وآخران باطنين.

ورأى الجنة والنار، وخازن النار، ومن يأكلون أموال اليتامى بغير حق وهم يعذبون في النار، ومن يتعاملون بالربا، والزناة، وكل من هؤلاء يعذب في النار بنوع من العذاب، فلما حل الصباح أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث معه، لكنهم عارضوه وكذبوه وطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس، فوصفها لهم وصفا دقيقا صحيحا، ورغم استغرابهم من دقة ما يقوله لهم إلا أنهم ازدادوا كفرا وإعراضا وتكذيبا وعنادا، ولم يصدقة حينها إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولذلك سُمي بالصديق، وأما عن المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المقبولة عند الأمة، وقد تعددت آراء العلماء في كيفية صعود النبي صلى الله عليه وسلم وعروجه إلى السماء، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى السماء على دابة البراق كما في الإسراء، وذهب بعضهم إلى أن صعوده إلى السماء كان عن طريق معراجٍ أي سُلم نصب له وعرج به إلى السماء، وقد جاءت بعض الروايات التي تصف المعراج الذي صعد به النبي صلى الله عليه وسلم بالحسن والجمال، وأنه مكون من الذهب والفضة، ومرصع باللؤلؤ، وقد جيء به من جنة الفردوس، وكانت الملائكة تقف على يمينه ويساره، ويقول بعض العلماء إن المعراج مصعد لا تعلم حقيقته، ولا تدرك صورته، وإنما كان وسيلة عرج به النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماء برفقة جبريل عليه السلام، ويرى بعض العلماء أنه إن لم يثبت بالقرآن الكريم بشكل صريح، فقد تمت الإشارة إليه في سورة النجم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock