دين ودنيا

وقفه مع رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء السابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد افتتح الله سبحانه وتعالى، ثماني سور من القرآن الكريم بالتسبيح، منها سورة الإسراء فقال تعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ويسبح المسلم ربه في العديد من المواضع التي جاءت بدليل إما من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، وهكذا فإن التسبيح أثناء الصلاة وبعدها فقد ورد في السنة النبويّة الشريفة بأن المسلم يفتتح صلاته بالتسبيح، وذلك من خلال قوله ” سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك” وكما يكون التسبيح أثناء القراءة في قيام الليل، وفي الركوع والسجود، ثم عند الانتهاء من الصلاة فإنه يسبح الله تعالى ثلاثا وثلاثين مرة، وقد ورد ذلك في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من سبح الله فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك لهـ له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” وكذلك أيضا التسبيح في الصباح والمساء، فقد ورد الدليل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على ذلك، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الله فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى” وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.

” من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتى يوم القيامه بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه” وكذلك أيضا التسبيح عند التعجب فإن سمع المسلم شيئا غير مألوف، أو وقع أمامه فعل أو سمع قولا دعاه إلى الاستغراب فقد شرع له أن يسبح الله تعالى، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقد أخبر أنه لقيه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى طريق من طرق المدينة، وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبى صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال ” أين كنت يا أبا هريرة؟ قال يا رسول الله، لقيتنى وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سبحان الله إن المؤمن لا ينجس” فرسول الله صلى الله عليه وسلم تعجب من ظن أبي هريرة رضي الله عنه حين اعتقد أن الجنب لا يجالس أحدا ولا يصافح أحدا، وأيضا التسبيح عند القيام من المجلس، خاصة المجلس الذي كان في الغلط، والتسبيح هنا مستحب، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال” من جلس فى مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك ” سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان فى مجلسه ذلك ” ويعرّف الإسراء بأنه انتقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام ليلا من البيت الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس على دابة البراق، وأما المعراج فهو صعودهما من بيت المقدس إلى السماوات العلى.

وقد ثبت وقوع هذه الحادثة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وشهادة الصحابة الكرام بذلك، وهي من إكرام الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لرحلة الإسراء والمعراج العديد من الأسباب، فكانت تخفيفا لآلامه وأحزانه صلى الله عليه وسلم بسبب الأذى الذي تلقاه من قومه، وإعلاء لشأنه، وإكراما له، وكانت من باب الأنس له، وتعريفا له بمنزلته وقدره عند الله عز وجل، إذ بدأ بعدها مرحلة جديدة من دعوته، بالإضافة إلى أنها كانت فضلا عظيما للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتعويضا له عما لاقاه من قومه واعتراضهم له، فقال الله تعالى ” ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما” وكما أنها كانت لأجل رؤية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة، لقوله تعالى عن رحلة الإسراء ” لنريه من آياتنا ” وقال سبحانه وتعالى عن رحلة المعراج ” لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وهذا لما في ذلك من القدرة على مواجهة مصاعب الدعوة التي تعترضه، ومن المشاهد التي رآها الأنبياء والمرسلين، وبعض مشاهد الجنة والنار، وغير ذلك، وأما عن توقيت رحلة الاسراء والمعراج فقد تعددت آراء علماء السيره في زمن رحلة الإسراء والمعراج، وأشهر هذه الأقول ما قاله الزهري، حيث قال إنها كانت قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنة، وكانت بعد معاناة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من رحلته إلى الطائف، فكانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من السنة الثانية عشرة للبعثة المحمدية، وأما عن أحداث ليلة الإسراء والمعراج.

فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله، في صحيحه حادثة الإسراء المعراج، حيث كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره في بيت السيدة بنت عمه أم هانئ، فانفرج سقف البيت، ونزل منه ملكان على هيئة البشر، فأخذاه إلى الحطيم عند زمزم، ثم شقا صدره، وأخرجا قلبه الشريف وغسلاه بماء زمزم، وملآه بالإيمان والحكمة لكي يكون ذلك استعدادا له لما سيشاهده، وليكون تهيئة له من الناحية اليقينية والروحية، وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك فقال “وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك” ثم جاء جبريل عليه السلام للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدابة البراق، وهي دابة أصغر من الفرس وأكبر من الحمار، تضع حافرها عند منتهى طرفها، أي تضع خطواتها فتصل إلى مد بصرها، فلما ركبها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يثْبت، حتى قال له جبريل عليه السلام أن يثبت، فلم يركبها أحد خير منه، فثبت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتصبب عرقا، ثم انطلقت بهما إلى بيت المقدس، ثم عُرج بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل إلى السماء الدنيا، فرأى صلى الله عليه وسلم أبونا آدم عليه السلام، ورحب به، ورد عليه السلام، وأراه أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره، ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى عليهما السلام، فسلم عليهما.

ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثالثة ورأى فيها يوسف عليه السلام، ثم رأى إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، وهارون عليه السلام في السماء الخامسة، وموسى عليه السلام في السماء السادسة، وفي السماء السابعة رأى الخليل إبراهيم عليه السلام، وجميعهم يُسلمون عليه، ويُقرّون بنبوته، ثم صعد إلى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، ثم صعد فوق السماء السابعة، وكلم الله تعالى، ففرض عليه خمسين صلاة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يراجعه حتى جعلها خمسا، وعُرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له أنه أصاب الفطرة، ورأى أنهار الجنة، اثنان ظاهران، واثنان باطنان، ورأى خازن النار مالك، ورأى أكلة الربا، وأكلة أموال اليتامى ظلما، وغير ذلك الكثير من المشاهد، ولقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها هو تعويض الله سبحانه وتعالى للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لصد الناس عنه، وخاصة أن الحادثة كانت بعد أذى أهل الطائف له، ومنعه من دخول المسجد الحرام إلا بجوار مطعم بن عدى، فعوضه الله سبحانه وتعالى بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به تعزية ومواساة من الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، فأكرمه الله تعالى برؤية آيات من ربه وأمور أخرى، وكذلك فتنة الناس وامتحانهم من خلال بيان المصدق والمكذب له، حيث إن الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلة مقدارها شهرين ذهابا وإيابا.

وسمى من حينها أبو بكر رضي الله عنه، بالصديق، وذلك لتصديقه للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في معجزة الإسراء والمعراج، وأيضا بيان صدق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد وصفه للناس ما يعجز البشر عن وصفه، وكذلك بيان أهمية الصلاة ومكانتها، حيث إنها فُرضت في السماء، وأيضا الدلالة على أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والربط بينهما، وقيامهما على التوحيد والإخلاص، وإن ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة عظيمة في المعتقد الإسلامي، حيث أسري بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية إلى المسجد الأقصى في مدينة القدس في فلسطين، ثم عُرج به من قبة الصخرة المشرفة إلى السماء عند سدرة المنتهى مع جبريل عليه السلام، والله سبحانه وتعالى أراد من رحلة الإسراء والمعراج تكريم نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد تعب لما لاقاه من تعذيب وتكذيب من قبيلته قريش، وضاقت به الأرض كلها بعد عام الحزن، حيث توفي عمه أبو طالب الذي رعاه وتكفل به، ليتبعه بعد ذلك وفاة زوجه خديجة رضى الله عنها، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بينما كان نائما، فهمزه جبريل، فاستقيظ الرسول ولم يرى شيئا، ثم كرر جبريل عليه السلام فعلته مرة ثانية وثالثة إلى أن أفاق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجلس، فأخذ جبريل عليه السلام بيده عليه السلام وركبا على ظهر البراق إلى أن وصلا بيت المقدس.

وكان فيها نفر من الأنبياء صلى رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بهم صلاة الفجر ثم عاد ليحدث أصحابه بذلك، فارتد كثيرون وكذبوه، وفيما يتعلق بموعد الحادثة فقد اختلف العلماء في تحديدها في أي سنة وأى شهر وأي يوم، فقد اختلفوا عن موعد حدوثها أكان قبل الهجرة بسنة او أكثر، أو قبلها بشهر، وقد اختلفو في موعدها أكانت في السابع والعشرين من شهر رجب، أم في السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني، أم فى السابع عشر من شهر رمضان، وإن الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس إلا مرة واحدة في ليلة الإسراء والمعراج، وأهل قريش يعلمون ذلك جيدا، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يطلع نبيه في السابع والعشرين من شهر على أخبار بيت المقدس ليخبر بها قومه، فيصدقونه كونهم يعرفون بيت المقدس وقد عاينوها، ثم يصدقون كلامه عن أشياء أخرى تتعلق بنبوته ونحو ذلك، فتكون بذلك حجة على رسالته وإثباتا لصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وأما رحلة المعراج إلى السماوات العلا فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يشرف السماوات السبع بأنوار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما شرف الأرض بها،وأما عن البراق، فإن البراق هو الدابة الذي حمل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس خلال رحلة الإسراء والمعراج، وقد أجمع أهل العلم أن حجمها أصغر من البغل وأكبر من الحمار، لحديث الرسول في السابع والعشرين من شهر “أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه” رواه مسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock