أخبار مصر

تنظيم الحمل وتحديد النسل في الشريعة الإسلامية خطبة الجمعة القادمة

الشيخ محمد عبد الفتاح
مدير المركز الثقافي الاسلامى

 

 

عناصر الخطبة
١ أهمية النسل في الكتاب والسنة
٢-مفهوم تنظيم الحمل وتحديدالنسل
٣-الحكم الشرعي في تنظيم النسل
المقدمة

إنَّ الإسلام دين الفطرة، فقد حث على الزواج، وبيَّن حِكمه وأحكامه وآدابه، ورغب في الذرية والنسل، وقد يسأل بعض الناس عن حكم تنظيم الحمل أو تحديده، وفي هذا الموضوع سأبين الحكم الشرعي بعد بيان معناه وأسبابه

العنصر الأول :أهمية النسل في الكتاب والسنة
—————————————-
من نِعم الله تعالى على عباده نعمة الإنجاب، وقد جاءت كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في بيان أهمية النسل، منها:

أولًا: من القرآن الكريم:

1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].

المراد بالنفس: آدم عليه السلام، وبثَّ: فرَّق ونشر في الأرض منهما، يعني من آدم وحواء

2- قال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50].

فبعض الناس يهبه البنات لا ذكر بينهنَّ، وبعضهم يهبه الذكور لا أنثى بينهم، وبعضهم يهبه من النوعين، وبعضهم لا يهبه لا أنثى ولا ذكر، وذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه.

3- وقال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].

قال الطبري رحمه الله تعالى: (وقد يدخل في قوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} جميع معاني الخير المطلوبة، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال: معناه: وابتغوا ما كتب الله لكم الولد؛ لأنه عقيب قوله: (فالآن باشروهن) بمعنى جامعوهنَّ، فيكون المعنى: وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل
٤-و قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38].

ولما دعا إبراهيم قومه إلى توحيد الله وعبادته دون سواه، وصبر على أذاهم وثابر على دعوتهم، ألقوه في النار وأنجاه الله منها، واعتزلهم وما يعبدون من دون الله؛ فوهب الله له إسماعيل ثم إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب استجابة لقوله: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]. بشره بإسماعيل أولًا، ولما بلغ معه السعي ابتلاه فيه وأمره بذبحه، وآثر امتثال أمر ربه على حبه لولده، وصدق في تنفيذ أمره، فبشره ثانيًا بإسحاق نبيًّا من الصالحين، وجعل النبوة في ذرية خليله من بعده، جزاءً كريمًا لصبره على الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، ونجاحه فيما ابتلاه الله به من الكلمات

ثانيًا: من السنة النبوية:

1- عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنه قَالَ: [كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَلَمَّا أَقْبَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ يَا جَابِرُ»؟، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَقَالَ: «أَبِكْرًا تَزَوَّجْتَهَا، أَمْ ثَيِّبًا»؟، قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: «هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ»، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا – أَيْ عِشَاءً – كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ» ، قَالَ: وَقَالَ: «إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ”؛ يَعْنِي الوَلَدَ أخرجه البخاري في صحيحه،

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: [فسر البخاري وغيره الكيس بطلب الولد والنسل، وهو صحيح]

2- عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: [جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟، قَالَ: «لَا» ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ» [أخرجه النسائي وغيره وصححه الألباني ].

فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الزواج من الولود، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم مفاخر الأمم بكثرة أمته.
٣-روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ”

نعمة تتعلق بها قلوب البشر وترجوها، لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قرة عين لها في الدنيا والآخرة، ولذلك طلبها إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]. وطلبها زكريا من ربه، قال تعالى: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]. وأثنى سبحانه على عباده الصالحين، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]

العنصر الثاني: مفهوم تنظيم الحمل وتحديد النسل
—————————————-
لا بد من بيان مفهوم بعض المصطلحات التي ربما تخفى على بعض الناس.

1- منع الحمل:

هو استعمال الوسائل التي يظن أنها تحول بين المرأة وبين الحمل؛ كالعزل، وتناول العقاقير، ووضع اللبوس ونحوه في الفرج، وترك الوطء في وقت الإخصاب، ونحو ذلك.
والسبب الباعث على منع الحمل هو عدم التناسل أصلًا، سواء أصيب جهاز التناسل بعقم أم لا.

2- تحديد النسل:

هو التوقف عن الإنجاب عند الوصول إلى عدد معين من الذرية، باستعمال وسائل يظن أنها تمنع من الحمل.

والسبب الباعث على تحديد النسل هو تقليل عدد النسل بالوقوف به عند غاية من غير علة ضرورية.

3- التعقيم:

وهو منع الأعضاء التناسلية عن أداء وظائفها لعلة قائمة بأحد الزوجين.

والسبب الباعث على التعقيم هو انتخاب النسل، أو بعض الأمور الصحية، فمُنع من به أمراض خطيرة – كالإيدز – من الإنجاب.

4- تنظيم الحمل:

هو قيام الزوجين – بالتراضي بينهما – باستعمال وسائل معروفة ومشروعة، لا يُراد من استعمالها إحداث العقم أو القضاء على وظيفة جهاز التناسل، بل يُراد بذلك الوقوف عن الحمل فترة من الزمن، لمصلحة ما يراها الزوجان، أو من يثقان به من أهل الخبرة.

والسبب الباعث على تنظيم الحمل هو مراعاة حال الأسرة وشؤونها، من صحة، أو قدرة على الخدمة، مع مراعاة الإبقاء على استعداد جهاز التناسل للقيام بوظيفته.

العنصر الثالث الحكم الشرعي في تنظيم النسل:
—————————————-
اولا:بيان الفرق بين منع الحمل وتنظيمه وتحديد النسل:

1- منع الحمل: هو استعمال الوسائل التي يظن أنها تحول بين المرأة وبين الحمل، كالعزل، وتناول العقاقير، ووضع اللبوس ونحوه في الفرج، وترك الوطء في وقت الإخصاب.. ونحو ذلك.

2- تحديد النسل: هو الوقوف بالنسل عند الوصول إلى عدد معين من الذرية باستعمال وسائل يُظن أنها تمنع من الحمل.

3- تنظيم الحمل: هو استعمال وسائل معروفة لا يراد من استعمالها إحداث العقم أو القضاء على وظيفة جهاز التناسل، بل يراد بذلك الوقوف عن الحمل فترة من الزمن لمصلحة ما يراها الزوجان، أو من يثقان به من أهل الخبرة.

ثانيا:1- حكم منع الحمل

منع الحمل وقطعه بالكلية لا يجوز شرعًا؛ إلا إذا قرر الأطباء أن الحمل يسبب موت المرأة، أو تعب الأم بسبب الولادات المتتابعة، أو ضعف بنيتها، أو غير ذلك، ومما يدلُّ على عدم الجواز ما يلي:

أ‌- ما علم من حث الشريعة على الإكثار من النسل والترغيب فيه.

ب‌- نهي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الاختصاء والتبتل، فهذا وإن كان في حق الرجل، فيقاس عليه المرأة.

2- حكم تحديد النسل:

اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرء أن يعطل أي عضو من أعضائه عن أداء وظيفته، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ شَابٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي فِي الْخِصَاءِ؟ فَقَالَ: «صُمْ، وَسَلِ اللهَ مِنْ فَضْلِهِ»أخرجه أحمد وصححه الألباني .

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم، وفيه أيضًا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك، وفيه إبطال معنى الرجولية، وتغيير خلق الله، وكفر النعمة؛ لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال].

وقال رحمه الله تعالى: [والحكمة في منعهم من الاختصاء: إرادة تكثير النسل؛ ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه، فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية]

3- حكم التعقيم:

الأصل أنه لا يجوز قطع النسل، فإذا ثبت بتقرير من أطباء عدول أنَّ أحد الزوجين فيه مرض خطير وينتقل إلى الأولاد، ولا يمكن علاجه، فلا مانع من التعقيم إذا وجد ما يدعو إليه من أسباب تُقرها الشريعة الاسلامية حفاظًا على سلامة النسل، والله تعالى أعلم.

حكم تنظيم الحمل:

تحدث العلماء قديمًا عن حكم تنظيم الحمل من خلال حديثهم عن الوسيلة المستخدمة لذلك في زمانهم، وهي العزل، فما هو العزل؟ وما حكمه؟

مفهوم العزل:

هو نزع الذكر من الفرج إذا قارب الإنزال

حكم العزل:

وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضها يُفيد جواز العزل، وبعضها يُفيد المنع، ومن ذلك:

أولًا: من الأحاديث الدالة على الجواز:

1- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: [كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ][أخرجه البخاري ومسلم ].

وجه الدلالة:

فقد أخبر جابر أنَّ الصحابة كانوا يعزلون في زمن نزول الوحي، فلو لم يكن جائزًا لما أقرهم عليه، ويؤيده من السنة القولية الحديث التالي.

2- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [إِنَّ لِي جَارِيَةً، هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا – تسقي لنا النخل – وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْملَ، فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»، فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ: «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» [أخرجه مسلم ].

وجه الدلالة:

بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ العزل وسيلة لمنع الإنجاب، مما يدل على جوازه، قال الأنصاري رحمه الله تعالى: [فيه جواز العزل، وهو أن ينزل بعد نزع الذكر من الفرج، وما عارضه محمول على كراهة التنزيه، وقد استدل جابر على الجواز بتقرير الله تعالى عليه].

وقال الترمذي رحمه الله تعالى: [وقد رخَّص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في العزل، وقال مالك بن أنس: تستأمر الحرة في العزل، ولا تستأمر الأمة][أخرجه الترمذي ].

قال الألباني رحمه الله تعالى: [يجوز له أن يعزل عنها ماءه].

ثانيًا: من الأحاديث الدالة على المنع:

1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: [أَصَبْنَا سَبْيًا، فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ»؟ – قَالَهَا ثَلاَثًا – «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ» [أخرجه البخاري ].

2- وعَنْه أَيضًا رضي الله عنه قَالَ: [ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “وَمَا ذَاكُمْ؟” قَالُوا: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ، فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، قَالَ: «فَلَا عَلَيْكُمْ أَلَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ»، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: [فَحَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ، فَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ][أخرجه مسلم ].

وجه الدلالة:

في الحديثين دلالة على عدم استحباب العزل، وقد سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَوَ إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ»؟ كالمنكر فعلهم، مما يدل على كراهة العزل.

قال الترمذي رحمه الله تعالى: [وقد كره العزل قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم].

الحكمة من النهي عن العزل:

واختلفوا في علة النهي عن العزل، فقيل: لتفويت حق المرأة، وقيل: لمعاندة القدر

الجمع بين الأحاديث:

وبعد ذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي يُفهم من ظاهرها التعارض، والتي يُمكن الجمع بينها، بأن العزل جائز ولكنَّ الأَولى تركه.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: [أشار إلى أنه لم يصرِّح لهم بالنهي، وإنما أشار إلى الأولى ترك ذلك؛ لأنَّ العزل إنما كان خشية حصول الولد، فلا فائدة في ذلك؛ لأنَّ الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك، فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل، فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله].

وقال النووي رحمه الله تعالى: [يجمع بينهما بأنَّ ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه، وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي الكراهة].

أيهما أولى العزل ام تركه؟

العزل جائز لكن تركه أولى؛ لأمور:

الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي وهو:

الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم …].

تنبيه:

ولا بدَّ من التنبيه على أنَّ العزل لا يُشرع إلا بإذن الزوجة، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: [وقد اختلف السلف في حكم العزل، قال ابن عبدالبر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها؛ لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة].

وعليه أقول:

يجوز تنظيم الحمل بأي وسيلة مشروعة آمنة، يختارها الزوجان، وبرضا الزوجة، سواء كان بالعزل أو غيره من الوسائل المستحدثة

إتماما للفائدة نورد بعض قرارات المجامع الفقهية:

1- قرار مجلس مجْمَع الفقه الإسلامي بشأن تنظيم النسل:

[بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تنظيم النسل)، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.

وبناءً على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب، والحفاظ على النوع الإنساني، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد؛ لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل والحفاظ عليه والعناية به، باعتبار حفظ النسل إحدى الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها.

قرر ما يلي:

أولًا: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.

ثانيًا: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بـ(الإعقام) أو (التعقيم)، ما لم تدع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية.

ثالثًا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب، بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعًا بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وألا يكون فيها عدوان على حمل قائم، والله أعلم].

2- قرار هيئة كبار العلماء بشأن تحديد النسل:

[الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمَّد، وعلى آله وصحبه، وبعد:

ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء، المنعقدة في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام: 1396هـ، بَحَثَ المَجلس موضوع منع الحمل، وتحديد النسل وتنظيمه، بناءً على ما تقرر في الدورة السابعة للمجلس المنعقدة في النصف الأول من شهر شعبان عام: 1395هـ، من إدراج موضوعها في جدول أعمال الدورة الثامنة، وقد اطَّلع المجلس على البحث المعد في ذلك مِن قِبل اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، وبعد تداول الرأي، والمناقشة بين الأعضاء، والاستماع إلى وجهات النظر، قرَّر المجلس ما يلي:

نظرًا إلى أنَّ الشريعة الإِسلامية ترغب في انتشار النَّسل، وتكثيره، وتعتبر النسل نعمةً كبرى، ومنَّةً عظيمة منَّ الله بها على عباده، فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ممَّا أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، في بحثها المعد للهيئة، والمقدم لها.

ونظرًا إلى أنَّ القول بتحديد النسل، أو منع الحمل، مصادمٌ للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها، وللشريعة الإِسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده، ونظرًا إلى أنَّ دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة، حتى تكون لديهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها، وحيث إنَّ في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية، وسوءَ ظنٍّ بالله تعالى، وإضعافًا للكيان الإِسلامي، المتكون من كثرة اللَّبنَات البشرية وترابطها.

لذلك كلِّه فإنَّ المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد منه خشية الإملاق؛ لأنَّ الله تعالى هو الرزَّاق ذو القوَّة المتين، وما من دابَّة في الأرض إلا على الله رزقها.

أما إذا كان منع الحمل لضرورة محقَّقة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية، وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما، لمصلحةٍ يراها الزوجان، فإنه لا مانع حينئذٍ من منع الحمل، أو تأخيره، عملًا بما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما روي عن جمع الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشيًا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعيَّن منع الحمل في حال ثبوت الضرورة المحققة، وقد توقف الشيخ عبدالله بن غديان في حكم الاستثناء، وصلى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم].

3- كلام رائع لمحدث العصر:العلامة الألباني رحمه الله تعالى رحمةواسعة

قال رحمه الله تعالى: [الذي ينبغي على كل مسلم متزوج، وغير متزوج (التأمل) في قوله عليه السلام: «تزوجوا الولود الودود فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» [أخرجه ابوداود ]،
هذا الحديث واضح الدلالة جدًّا أن الرسول عليه السلام يحب أن تتكاثر أمته، وهذا التكاثر هو ليس مصلحة مادية كما تنبَّه لها بعض الساسة من الأوربيين، وأعني بالذات هتلر، حينما عرض معاشًا وراتبًا لكل مولود يولد بين زوجين، فإنه كان عنده شيء من العقل السياسي الحربي، عرف جيدًا أن الأمة التي تريد أن تتحكم بالشعوب الأخرى لا بُدَّ أن يكون نسلها وافرًا كثيرًا، ولذلك اتخذ قانونًا على خلاف ما يتخذه بعض الدول اليوم… فهذا الرجل الألماني هتلر عرف فائدة التكاثر من الناحية المادية، لكن الرسول عليه السلام لا يعني هذا، وإن عناه فلا يعنيه لأجل السيطرة والتسلط على البشر، وإنما كما قال عليه السلام: «من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء» [أخرجه مسلم]،

الذي يهمنا نحن المسلمين أن نرسخ في أذهاننا جميعًا أن تكثير الأمة المحمدية مما نرضي نبينا عليه السلام بتقصُّدنا لإكثار نسلنا، والعكس بالعكس تمامًا، فتحديد النسل يغاير هذه الرغبة النبوية والمباهاة الشريفة التي قال فيها: “فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”
اقول(مكرم)
الكثرة التي يريدها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الكثرة الصالحة المنتجة النافعة التي يعزبها الإسلام وأهله وترفع بها راية الإسلام والمسلمين وليست الكثرة الفاسدة المفسدة المستهلكة التي تأتي بالخراب والدمار فرسول الله عليه الصلاة والسلام لن يتباهى بالضالين المضلين المفسدين في الأرض أطفال الشوارع والمتسولين وتجار المخدرات وقطاع الطرق البغاة الذين يعيثون في الارض فسادا
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock