دين ودنيا

وقفه مع رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع رحلة الإسراء والمعراج، ولقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة الفريدة ليسري عنه، وليثبت لقومه صدق نبوته، ولأسباب أخرى عديدة يصعب حصرها، ومن إعجاز تلك الحادثة أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد انتقل من مكة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليلة، مع أن قطع تلك المسافة كانت تحتاج في تلك الفترة إلى شهر كامل، ناهيك عن عروجه إلى السماء السابعة، وذلك الأمر الذي لم يشهده العالم بأسره لا في تلك الفترة ولا بعدها، وقد ساهم البراق في ذلك الأمر بقدرة الله عز وجل، وكان في ذلك اختبار للصحابة الكرام، وخاصة الذين آمنوا حديثا، وقد صدق الله رسوله وأيده، بعد أن كذبه كفار قريش، وشكك بأمره المنافقون وضعاف الإيمان بأن جعله يصف لهم بيت المقدس وصفاً دقيقا، مع أنه لم يكن قد زاره قبل تلك الحادثة مطلقا، وهكذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو بشر مثلنا، لكنه جاء إلى الدنيا حاملا قلبا كبيرا مليئا بالخير والحب لكل المخلوقات، وبالإيمان الصادق للخالق، فأصبحت له مكانة عظيمة بين البشر، ومنزلة أعظم عند الله تعالى، وبهذه المنزلة وصل مكانا في السماوات العلا لم يصله بشر من قبله وهو سدرة المنتهى، وصلى إماما بكل الأنبياء في المسجد الأقصى، وما ذلك إلا إشارة أن مقامه لا يعدله مقام، وأنه بلغ من التشريف ما لم يبلغه أحد، إنه نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي صعد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، حيث تعتبر رحلة الإسراء والمعراج.

من أعجب وأغرب الرحلات التي قام بها البشر على الإطلاق، حيث تمثلت هذه الرحلة بقدرة الله تعالى على الإسراء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الكرمة إلى المدينة المنورة، وبعد ذلك عُرج به إلى السماوات العُلا، ثم رجع إلى بيت المقدس، وتنتهي الرحلة بعودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة، وكان ذلك كله في فترة زمنية قصيرة تتحدد بجزء قليل من الليل، وبالتالي فقد كانت رحلة الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمور التي رآها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج، هو جبريل عليه السلام فقد رآه على هيئته الحقيقية فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج الملك أمين الوحى جبريل عليه السلام، في صورته التي خلقه الله تعالى عليها، وهي خلقة عظيمة، وآية من آيات الله عز وجل، فهو مخلوق عظيم له ستمائة جناح، كل جناح منها حجمه مد البصر، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين على صورته الحقيقة، حيث رآه في الأفق الأعلى، وعند سدرة المنتهى، والمقصود هنا أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم، هو جبريل عليه السلام، لكن ظن البعض أنه رأى ربه في رحلة المعراج، والصواب أنه لم يره، ودليل ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن ذلك فقالت أنه لم يرى ربه، وقرأت قول الله تعالى ” لا تدركه الأبصار” وهو يعني لا نرى الله في الدنيا، أما في الآخرة فسوف يراه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يوم الحساب، وفي الجنة، بإجماع أهل السنة والجماعة.

بحيث يرونه رؤية ثابتة واضحة بيقين لا شبهة فيه، ووضوحها ويقينها كرؤية الشمس والقمر، وهذه الرؤية خاصة بأهل الإيمان، أما الكفار فهم محجوبون عن رؤية الله تعالى بنص القرآن الكريم، ومما ثبت واتفق عليه العلماء أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صلى في رحلة الإسراء والمعراج بالأنبياء إماما، ولكنهم اختلفوا متى تم ذلك، فمنهم من قال أنه أمَّهم عند مقدمه إلى المسجد الأقصى، ومنهم من قال أنه أمَّهم وهو يعرج إلى السماء، واختار ابن كثير أنه قد أمَّهم بعد أن نزل من العروج إلى بيت المقدس، وأيضا فقد جاء في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في رحلة الإسراء والمعراج الملك خازن النار، وهو مالك عليه السلام، حتى إن مالك هو الذي بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام، وكذلك البيت المعمور، وهو بيت يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودوا إليه أبدا، وقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء صعوده إلى السماء برفقة جبريل عليه السلام رأى البيت المعمور، حيث قال صلى الله عليه وسلم “فرقع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال هذا البيت المعمور” وأيضا سدرة المنتهى فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج الجنة ونعيمها، ورأى سدرة المنتهى، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” ورفعت لى سدرة المنتهى” وأيضا نهر الكوثر، فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج نهر الكوثر الذي خصه الله به وأكرمه به، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم.

” بينما أنا أسير فى الجنه إذا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر” ولقد اطلع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج على بعض أحوال الذين يعذبون في نار جهنم، ورأى أصناف متعددة منهم، فالصنف الأول هم الذين يخوضون في أعراض المسلمين، ويقعون في الغيبة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” لما عرج بى مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هولاء الذين يأكلون لحوم الناس” وأما عن الصنف الثاني، فهم الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم” مررت ليلة أسرى بى على قوم تقرض شفاههم بمقارض من نار، قال، قلت من هؤلاء؟ قالوا خطباء أمتك” وأما الصنف الثالث، فهم الذين يأكلون الربا، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” رأيت ليلة أسرى بى رجلا يسبح فى نهر ويلقم الحجاره، فسألت ما هذا؟ فقيل لى آكل الربا” ولقد مرَّ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة في عدة مشاهد ومواقف تستخلص منها عبر وفوائد جمة، منها أهمية الصلاة ومكانتها الكبيرة، فالإسراء والمعراج رحلة ربانية تفضل بها الله عز وجل على نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث أسرى به على ظهر البراق من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف، ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى وما فوقها، وهي إحدى معجزات نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي أذهلت الكفار.

وحارت فيها العقول لدرجة أنهم كذبوه وزعموا أنها من نسج خياله، ولقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للعديد من المحن والابتلاءات حيث اشتد عداء المشركين وأذاهم له، فضيقوا الخناق عليه وعلى صحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وحاصروهم، ومات عمه أبو طالب الذي ربّاه منذ صغره وكان شفوقا عليه لدرجة أنه دافع عنه وحماه من أذى المشركين، وتوفيت زوجته الحنونة السيدة خديجة بنت خويلد والتي كانت سنده ومعينه، ونال ما ناله من التنكيل من أهل الطائف وسخريتهم منه، وقد سُمي ذلك العام بعام الحزن لشدة ما قاساه، لكنه صبر صلى الله عليه وسلم ومضى في دعوته وتبليغ دين ربه سبحانه وتعالى، فأكرمه مولاه عز وجل برحلة الإسراء والمعراج، وإن فى أهمية الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج بأن الصلاة عماد الدين وهو أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولها مكانتها وأهميتها البالغة في ديننا الإسلامي، ومما زادها تشريفا وتعظيماً أنها الركن الوحيد من أركان الإسلام، والعبادة والفريضة الوحيدة أيضا التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج، فقد فرضت في السماوات العلا ودون واسطة، فتميزت عن غيرها لمكانتها العظيمة وفضلها بين العبادات الأخرى، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماما، وكانت آخر وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل وفاته هى الصلاة، وقد أسرى الله تعالى بجسد نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس على الصحيح من أقوال أهل العلم، فأسري بالنبي صلى الله عليه وسلم راكبا على دابة البراق.

برفقة جبريل عليه السلام حتى وصل إلى بيت المقدس، فربط دابة البراق بحلقة باب المسجد، ثم التقى بالأنبياء الكرام عليهم السلام وصلى بهم إماما، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات العلى، والتقى في كل سماء بنبي من أنبياء الله عليهم السلام، ولقد كان لحادثة الإسراء والمعراج نتائج عديدة عادت على الأمة الإسلامية بالخير والمنفعة، وبيان هذه الفوائد هو اطلاع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على بعض الأمور الغيبية التي كشفها الله عز وجل له، فرآها بعينه، وسمعها بأذنه، ثم بيانه صلى الله عليه وسلم هذه الأمور للمسلمين مما أدى إلى زيادة الإيمان في قلوب المسلمين، وتبصيرهم في أمور دينهم، وكذلك يقين المسلم بنصر الله تعالى، وتفريجه للكربات، فقد جاءت هذه الحادثة بعد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لصنوف الأذى والتكذيب، فليس بعد العسر إلا اليسر، وليس بعد الصبر إلا الفرج، وكذلك أهمية اتباع الداعية المسلم لمنهج الأنبياء عليهم السلام في دعوتهم لأقوامهم والذي يقوم على الرفق واللين وكذلك حث المسلم على الابتكارات والاختراعات العلمية في مختلف المجالات الصناعية والمعرفيّة، والتي تعود على الناس بالخير والنفع، وأيضا بيان أهمية الصلاة في حياة الفرد المسلم، فهي الشعيرة العظيمة التي ينبغي على المسلم أن يصوغ حياته وفقها، ويضبط أمورها عليها، فينشأ المسلم من بداية حياته وحتى انتهائها على الإيمان بالله تعالى، وامتثال مكارم الأخلاق والعادات، والبراق هو اسم للدابة التى ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى، ومنها عرج إلى السماء السابعة، وقد اشتق اسم البراق من البرق لسرعته، وقيل سُمي بذلك لشدة صفائه ووضوح ألوانه وتلألئها، وقيل إن سبب تسميته بذلك أنه ذو لونين، لذلك يقال شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود، والبراق دابة بيضاء، أكبر حجما من الحمار وأصغر من البغل، وخطو البراق مد البصر، مما يعني أن سرعته تقارب سرعة الطائرة، ومن خواصه وصفاته أنه إذا رفع حافره فإن خطوته تكون مد البصر أي تقع في الموضع الذي يقع عليه بصره ولهذا تمكن بقدرة الله من قطع تلك المسافة في مدة وجيزة، وقد سمي بالبراق لبريقه ولمعانه، وقد جاء ذلك الوصف للبراق من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن عاد من رحلتي الإسراء والمعراج حيث يقول صلى الله عليه وسلم” بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكريعني رجلا بين الرجلين، فأتيت بطست من ذهب، مُلئ حكمة وإيمانا، فشُق من النحر إلى مراقِ البطن، ثم غُسل البطن بماء زمزم، ثم مُلئ حكمة وإيمانا، وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار، البراق، فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا” وقد ورد وصفه صلى الله عليه وسلم كذلك في حديث آخر يرويه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ومما جاء فيه قوله” والله ما زال البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ثم عادا عودهما على بدئهما، قال ثم ضحك حتى رأيت نواجذه، قال ويحدثون أنه لربطه ليفر منه وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock