دين ودنيا

وقفه مع رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء السادس


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع رحلة الإسراء والمعراج، ولقد مكث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سنوات طويلة يدعو قومه إلى الإسلام والتوحيد، ويصبر على أذاهم، وكفرهم، واستهزائهم به، وكان ممن يعينه ويهون عليه ما يلاقي من قومه عمه أبو طالب فقد كان ذا مكانة رفيعة بين كفار قريش، فكان المدافع عنه أمام قريش، وكذلك كانت السيدة خديجة رضي الله عنها زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تشد من أزره وتؤيده في مواقفه أمام المكذبين، وقد كتب الله سبحانه وتعالى أن يتوفى كلا من عمه وزوجته السيدة خديجة في عام واحد، فحزن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عليهما حزنا شديدا، وبدا ذلك على محياه لثقل المصاب الذي وقع به، وسمي ذلك العام بعام الحزن، لشدة حزن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على وفاة عمه وزوجته، ومما خفف الحزن عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو استبشاره في أهل الطائف خيرا بعد أن ازداد إيذاء قريش للنبي وأصحابه، فاستهم خارجا إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد، ولم تكن دعوة أهل الطائف كما أراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ استقبله أهلها بالشتم والاستهزاء، وأظهروا له البغض والكفر، وأخرجوا إليه أطفالهم وعبيدهم يرمونه بالحجارة حتى أصابوه فسال الدم من قدميه الشريفتين، مما زاد من حزن وألم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على قومه الذي رفضوا استقبال دعوة ربهم بالإجابة والرضا، حيث خرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من الطائف يحمل هما عظيما.

فقد قالت السيدةعائشة رضي الله عنها “يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابنِ عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أَستفق إلا بقرن الثعالب” وبعد تلك الحادثة أراد الله تعالى أن يأخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في رحلة الإسراء والمعراج، لتكون تخفيفا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنسا له، وتذكيرا له أن الأرض إن ضاقت عليه بتكذيب أهلها، فإن السماء تفتح له وترحب به وتحبه، وقيل أن الإسراء فى اللغة من السَّرى، وهو السير ليلا، وقال السخاوي في تفسيره، إنما قال ليلا والإسراء لا يكون إلا بالليل لأن المدة التي أُسرى به فيها لا تُقطع في أقل من أربعين يوما، فقطعت به في ليل واحد، فكان المعنى سبحان الذي أسرى بعبده في ليل واحد من كذا وكذا، وهو موضع التعجب، وإنما عدل عن ليلة إلى ليل لأنهم إذا قالوا سرى ليلة، كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة بالسرى، فقيل ليلا أي في ليل، وإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعدما مضى عليه عشر سنين في مكة، يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى، وترك الشرك، أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، وجاوز السبع الطباق، وارتفع فوق السماء السابعة صلى الله عليه وسلم ، معه أمين الوحى جبرائيل عليه السلام، فأوحى الله تعالى إليه ما أوحى، وفرض عليه صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

وقد فرضها الله خمسين، فلم يزل النبى صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى جعلها خمس صلوات سبحانه وتعالى، وذلك فضلا منه عز وجل، وقد نادى منادى إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، فنزل بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، وأنزل الله تعالى في هذا قوله سبحانه ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله” فهذه الآية العظيمة بين فيها سبحانه وتعالى الإسراء، وهو أن أسري به صلى الله عليه وسلم من مكة على البراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل، وخطوه عند منتهى طرفه، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فركبه هو وجبرائيل حتى وصل إلى بيت المقدس، وصلى هناك بالأنبياء، ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء، واستأذن له جبرائيل عند كل سماء، فيؤذن له، ووجد في السماء الدنيا آدم ، آدم أباه عليه الصلاة والسلام، فرحب به وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم لما أتى السماء الثانية وجد فيها عيسى ويحيى، ابني الخالة، فرحبا به، وقالا: مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فوجد فيها إدريس، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون عليه الصلاة والسلام، فرحب به، قال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السادسة.

فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها الخليل إبراهيم أباه عليه الصلاة والسلام وهو صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، فرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرحب به الخليل إبراهيم، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، مثلما قال آدم، مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم عرج به إلى مستوى رفيع، فوق السماء السابعة، سمع فيهن من صريف الأقلام، التي يكتب بها القضاء والقدر، فكلمه الله عز وجل وفرض عليه الصلوات الخمس خمسين، ثم لم يزل يسأل ربه التخفيف، حتى جعلها سبحانه خمسا، فضلا منه وإحسانا، فهي خمس في الفرض، وفي الأجر خمسون، وقد روي أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسرى به فى السنه العاشرة من البعثه وقيل في السنة الثانية عشر من البعثه في شهر ربيع الأول، وقيل قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وقد اختلف العلماء في عام الإسراء والمعراج ومنهم من قال قبل الهجرة بسنة، ومنهم من قال قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، أما شهر الإسراء والمعراج ويومه وليلته كذلك بالتالي كان محل خلاف فقيل ربيع الأول، وقيل ربيع الآخر، وقيل شوال، أما في أي يوم من الشهر كان ؟ قيل ليلة السابع من ربيع الأول، وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، وقيل ليلة سابع عشر من رمضان، أما ليلة الإسراء والمعراج فقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت، وقيل ليلة الاثنين، وهناك إختلافات كثير فى هذا الموضوع.

ولكن قيل الأصح هو فى شهر رجب، وعندما انصرف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة وأخبر أهل قريش الخبر، ارتد كثيرا ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر رضى الله عنه، فقالوا له هل لك يا أبي بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ؟ فقال أبو بكر إنكم تكذبون عليه، قالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر رضى الله عنه والله لئن كان قالها فقد صدق، فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر لياتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي ؟ فإني قد جئته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر الصديق ويقول أبو بكر، صدقت، أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئا، قال صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق، وقيل أن الله أنزل في من ارتد عن إسلامه لذلك قوله تعالى ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيرا” وبعد أن تمت رحلة الإسراء والمعراج، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موطنه وبيته بمكة، حكى للناس ما حدث.

وكان ضمن ما قاله صلى الله عليه وسلم إن ” براقا ” جاءه وأمر أن يركبه، وهذا البراق هو الوسيلة التي نقلته صلى الله عليه وسلم في رحلته الأرضية من مكة إلى القدس، ولقد أفاد أهل الاختصاص في اللغة العربية بأن البراق دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار، وقال بعض شراح أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إن البراق مشتق من البريق، ولونه أبيض، أو هو من ” البراق ” وسمي كذلك لشدة لمعانه وصفائه وتلألؤه أو توهجه، والبراق هو الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم وسار بسرعة الضوء من مكة إلى القدس في الذهاب والإياب، وتبقى المعجزة في استعمال هذه الظاهرة الطبيعية كامنة في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم من آثارها المدمرة والوقاية من أضرارها، وإن معنى سبحان الله هو أنه يطلق لفظ سبحان، على ما يراد به التنزيه، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص، وقد اتصف سبحانه وتعالى، بكل صفات الكمال والجلال، أما مصطلح سبحان الله، فهو أمر بالتسبيح أي سبحوا الله تعالى، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما أن كل تسبيحة في القرآن الكريم تدخل في معنى الصلاة، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن سبحان الله اسم يمتنع عن تسمية أى مخلوق به، ومعناها تعظيم الله تعالى وتقديسه، وحين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى سبحان الله، فقد فسرها بأنها براءة الله تعالى من كل سوء، والله سبحانه وتعالى بريء من كل نقص، وكامل في كل شيء، أسمائه وصفاته وأفعاله فأسماؤه حسنى لا أسماء أحسن منها.

وصفاته عليا ولا يوجد أعلى منها، فقال الله تعالى ” ولله الأسماء الحسنى ” وقال تعالى أيضا ” وله المثل الأعلى” أي أن وصفه كامل، أما أفعاله فهي أيضا كاملة حكيمة، فيفعل كل ما يفعله بحكمة، وهو سبحانه وتعالى المنزه عن كل عيب ونقص ولعب وعبث وباطل، فقال تعالى فى كتابه الكريم” وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا” وبناء عليه فالتسبيح يتضمن تنزيه الله تعالى عن كل نقصٍ وعيب، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وركن أساسي من أركان الإيمان بالله عز وجل، وإن التسبيح في القرآن الكريم وهى كلمة سبحان الله، لها مكانة عظيمة في الدين، كما تعتبر من أعظم وأشرف الأذكار والعبادات التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في فضلها وبيان عظمتها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ولكثرة تلك الآيات والأحاديث فإنه من الصعب حصرها والإحاطة بجميعها، حيث ورد في القرآن الكريم ما لا يقل عن ثمانين آية جاءت بصيغ مختلفة ومتنوعة، ومنها ما جاء بصيغة الأمر، مثل قوله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا” ومنها ما ورد بصيغة الماضي، مثل قوله تعالى ” سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم” ومنها ما ورد بصيغة المضارع، مثل قوله تعالى ” يسبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم” ومنها ما جاء بلفظ المصدر مثل ما ورد في قول الله تعالى ” سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله ب العالمين”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock