دين ودنيا

نظرة تأمل مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الثانى مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وإن مصدر الأخلاق الإسلامية هو الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان، بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، أما مصدر الأخلاق النظرية فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع ويقال عنه العرف، ولذلك فهي متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر، وإن مصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله عز وجل له، أما مصدر الإلزام في الأخلاق النظرية فهو الضمير المجرد أو الإحساس بالواجب أو القوانين الملزمة، وإن مكارم الأخلاق الأخلاق هي مجموعة من العادات والسلوكيات والتصرفات والأقوال والأفعال التي تنبع من ذات الإنسان وضميره وقناعته، فالخير والشر داخله في صراع دائم، فمتى غلب خيره شره أصبح صاحب خُلق عظيمٍ، وجزء من الأخلاق تكتسب بالتربية الصالحة والاعتياد على سلوك الأوائل من ذوي الأخلاق الحميدة، وهذا الجزء يقع على عاتق كل ولي أمر من الوالدين والمدرسة والمعلمين والمجتمع، ومكارم الأخلاق هي أفضل الدرجات في كل خُلق، فالأمانة خُلق كريم ومن اتصف بكمال الأمانة فقد وصل إلى مرحلة المكارم في هذا الخُلق، كما كان يوصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمين الصادق، وقال صلى الله عليه وسلم”إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وبالأخلاق تعلو الأمم وتنهض وتزدهر وتتقدم، وهي دليل على بقاء الحضارات وتقدم شعوبها ورفعتهم، فيقل معدل الجريمة والانحطاط والاستغلال.

ولا يصعد الأغنياء والأقوياء على حساب الفقراء والضعفاء، وأن هناك أمثلةٌ على مكارم الأخلاق، فإن مكارم الأخلاق جُمعت في الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فمن تحلى بخُلق الرسول الكريم فقد تحلى بمكارم الأخلاق، وقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله “وإنّك لعلى خُلق عظيم” وإن من هذه المكارم هو الحياء فالحياء هو الخجل من فعل القبيح وقوله، وكذلك الحياء من الله سبحانه والابتعاد عن فعل ما يغضبه، وأيضا الحياء من الملكين اللذين يكتبان الأعمال، والحياء من فعل المعاصي والذنوب والكبائر، فالحياء هو خلق الإسلام الذي تميز به عن كل الأديان السماوية، وأيضا من مكارم الأخلاق هو العفو والصفح، فإن العفو عند المقدرة هو من أسمى الأخلاق، فلا ميزة في عفو مع عجز أو ضعف، إنما العفو هو أن تمتلك القدرة على الثأر والعقاب لكنك تؤثر العفو والسماح إرضاء لله عز وجل، والصفح الجميل هو أن تسامح وتصفح دون أن تلحق ذلك بالمن والتذكير بعفوك أمام الناس، وأشهر أمثلة العفو ما فعله الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش يوم فتح مكه عندما قال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” وأيضا من مكارم الأخلاق هو الرفق واللين فقد جاء في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “أن من ضمن اللذين لا يدخلون النار” فيجب على كل إنسان كان أن يكون اللين والسهولة والرفق من أخلاقه وصفاته في التعامل مع أهل بيته وزملائه وأقاربه وكل من عرف ومن لم يعرف، وقد خاطب القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم.

بأنه لولا اتصافك بصفة اللين لتركك أصحابك، فاللين سبب للقرب واستمرار المحبة والمودة بين الناس، فعن ابن مسعود رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس ” وإنه يقابل اللين والرفق، الغضب والفحش في القول وما يرافق تلك الحالة من السب والشتم واللعن والتشاؤم، وكل تلك الصفات مكروهة بغيضة من الله سبحانه ومن خلقه، وإن من مكارم الأخلاق هو إنظار المعسر، وإن إنظار المعسر، أو التجاوز عن القرض أو عن جزء منه، وهى صورة عظمية من صور الكرم وسماحة النفس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه” رواه البخاري، بل إن توفيق الدنيا والآخرة مرهون بتيسيرك على أخيك المعسر فقل صلى الله عليه وسلم ” من يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة” رواه مسلم، وكذلك أيضا رد القرض بأحسن منه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردّ القرض بخير منه وبالزيادة فيه، ويقول صلى الله عليه وسلم “أعطه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء” رواه محمد بن ماجه ، وما ترك صلى الله عليه وسلم صاحب القرض يمضي إلا وهو راض، وكذلك السماحة مع الشريك، كما شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم شريكه في التجارة قبل البعثة السائب بن عبد الله بقوله له ” كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك، كنت لا تداريني ولا تماريني ” رواه ابن ماجه.

أي بمعنى كنت لا تدافعني في أمر ولا تجادلني، بل كنت شريكا موافقا، ولم ينسها له، وكانت سببا من أسباب محبته له، وتكون سببا من أسباب النجاة من النار لمن تخلق بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “حرم على النار كل هيِّن ليِّن سهل، قريب من الناس” رواه أحمد، وكذلك رفع الحرج عن الناس، فإن صاحب السماحة لا يحرص على إيقاع الناس في الحرج، ولا يشغله التفكير بما له عن التفكير بما عليه من سماحة مع إخوانه وتقدير لظروفهم، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أن الصحابي أبا اليسر رضي الله عنه كان له على رجل قرض، فلما ذهب لاستيفاء حقه اختبأ الغريم في داره، لئلا يلقى أبا اليسر، وهو لا يملك السداد، فلما علم أبو اليسر أن صاحبه يتخفى منه حياء لعدم تمكنه من أداء ما عليه، أتى بصحيفة القرض فمحاها، وقال ” إن وجدت قضاء فاقض، وإلا فأنت في حلّ ” رواه مسلم، وبسماحته تلك أخرج أخاه من الحرج الشديد، وكذلك السماحة مع من أساء، وإن من أبرز مواقف السماحة ما يكون مع من أساء إليك، كالذي جرى مع الصحابى الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أقسم ألا ينفق على مسطح بن أثاثة، لتورطه في حديث الإفك مع ابنته الشريفه العفيفه السيدة عائشه رضى الله عنها، فأمره الله تعالى أن يعفو ويصفح، فكفر عن يمينه، وعاد ينفق عليه، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر لكم” فى صحيح الجامع، وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بأنهم ” والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون “

وكذلك أيضا السماحة بين تهمة العجز أو الفجور، وقد يوسوس الشيطان للمسلم إنك لو تسامحت وصفك الناس بالعجز، وظنوا فيك الضعف، ولأن تؤثر أن يقال فيك ما يقال خير لك من الوقوع في الفجور، بحيث يخشى الناس شرّك، وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” يأتي عليكم زمان يُخيَّر فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور” رواه أحمد، وإن من مكارم الأخلاق هو إفشاء السلام، ولقد أوجب الإسلام رد السلام، ورغب في إفشائه في المجتمع، لما في ذلك من نشر الألفة والمحبة بين الناس، وجعله الله سببا للدخول إلى الجنة، ووصف بالبخل من يبخل برد السلام، فجعل الإسلام البدء السلام سنة عين للمنفرد، وسنة كفاية للجماعة، أما رد السلام فهو فرض عين على الفرد وفرض كفاية على الجماعة، وإن من صور تطبيق هذا الخُلق، هو سلام المسلم على من يعرف، وسلام المسلم على من لا يعرف، وكذلك من مكارم الأخلاق الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة هي امتثال لأوامر لله تعالى، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن ” فحرص الإسلام على الكلمة الطيبة لما لها من أثر عظيم في قلوب الناس، وفي نشر الطمانينة والسلام، وإن من صورها هو الثناء على الناس في وجه الحق، وقد ذكر الله تعالى الدعاء للآخرين، وأيضا من مكارم الأخلاق هو الإيثار، ويقصد به أن يكف الإنسان نفسه عن بعض ما يملك، لغيره ممن هو محتاج لذلك الأمر، والإيثار هو أعلى مرتبة من مراتب الجود والسخاء.

وقد مدح الله المتحلين بهذا الخلق، فقال تعالى فى كتابه العزيز” ويؤثرون على أنفسهم لو كان بهم خصاصه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” وإن من صور الإيثار هو إنفاق المسلم مما يحب، وتقديم حاجة الآخرين على حاجة النفس، والتصدق حتى مع وجود الفقر والعازة، وإن من مكارم الأخلاق الصدق، فإن الصدق هو طريق النجاة، ومطية الصالحين، صفة بها يتميز أهل الإيمان عن أهل النفاق، فأمر الله عباده بملازمة الصادقين، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” وأولى الصدق هو اتفاق ما في باطن العبد مع ما تظهره جوارحه من أقوال وأفعال، ويظهر أثره للمسلم، بالطمانينة التي تحصل عنده جراء امتثاله لهذه الصفة، وتتمثل قوة العبد بامتثاله لقيمة الصدق بقول كلمة الحق عند من يخافه ويرجوه من الناس، ويكفي من فضائل الصدق أنه يساعد الداعية الصادق على نشر دعوته، كما حصل مع الرسول الكريم الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وإن من صور الصدق هو تطبيق المسلم ما عزم على فعله من قول وفعل، كمن عزم على الصدقة فتصدق، وأيضا الصدق بالشهادة، وكذلك الصدق بجميع القول، وأيضا من مكارم الأخلاق هى الأمانة وقد أخذت تسمية الأمانة من تعفف النفس عما ليس لها، ورد الحقوق لأهلها، وتشمل مناح عدة في حياة المسلم، فمجالات الأمانة لا تحصر ودائرتها آخذة في الاتساع، وقد حثت الشريعة الإسلامية على هذا الخلق، فبها تنعدم أسباب الخوف والخلافات في المجتمع الإنساني.

فجاءت تسمية الأمانة من الأثر الذي تحدثه في نفوس الناس، وقد ربط رسول الله صلى الله عليه السلام، إسلام وإيمان الشخص باستئمان الناس على أنفسهم وأموالهم وكل ما يتعلق بحقوقهم منه، ومن صورها هى العفة عن أموال الناس وأعراضهم، وأيضا العفة عن تطفيف الكيل والغش، وكذلك عدم التلاعب بالألفاظ في تأدية الرسائل اللفظية، وكذلك تأدية واجبي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرعلى أحسن صورة، وأيضا من مكارم الأخلاق هو العدل، وإن من مجالات العدل هو التوسط في أمور الدنيا، والابتعاد عن التطرف، وبهذا الخلق يجب أن يتصف المسلم، وبهذا المبدأ سيحاسب الناس يوم القيامة، وهم مطمئنين للحساب لأنه سيسير وفق العدل الإلهي، ومن صور تطبيقه هو العدل في التعامل مع الناس، وكذلك العدل في التعامل مع الخلافات التي تواجه المسلم، فلا يرى المسلم من يخالفه بالأفكار إلا بصورة معتدلة دون تهويل أو تبخيس، وأيضا العدل في كل مكارم الأخلاق، فالكرم إن زاد عن حد الاعتدال أصبح إسرافا، والتسامح إن زاد عن حده أصبح ضعفا، وأيضا العدل مع العدو بقدر العدل مع الصديق، وكذلك التعاون التعاون حاجة ضرورية أم كمالية؟ ضرورة إنسانية فطرية بها يستطيع الإنسان تيسير أمور حياته، وإن الإسلام حث المسلمين بشكل خاص على تحفيز هذا الخلق في المجتمع، لما له من أثر كبير يصب في الغاية الأساسية التي وجد الإنسان في الأرض بسببها عمارة الأرض فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock