نبى الله الخضر عليه السلام ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه ” هو نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص، وإن هذه القضية تفيدهم في أشياء كثيرة ومنها أنهم يزعمون التقاءهم بالخضر، وأنهم يأخذون أشياء عن الخضر، شرائع غير الشريعة الموجودة الآن، وهذا تبرير لهم لمخالفة شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول هذا أتانا من الخضر، أو التقينا بالخضر، فقال لنا كذا وكذا، ويزعمون أيضا أنه ولي وليس بنبي، لماذا؟ لأنهم يقولون مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي، ويزعمون أن النبوة فوق الرسول وتحت الولي، يعني الولي مقامه أعلى من النبي والرسول من ظلالهم، حتى يفتحوا الباب لتغيير شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأولياء يحق لهم التشريع، ويحق لهم الخروج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحق لهم ترك العبادة إلى آخر ذلك، وكتبهم طافحة بذكر الأخبار المزعومة المنقولة عن الخضر، ونعود الآن للدروس والفوائد والعبر التي نستنبطها من قصة الخضر عليه السلام مع نبى الله موسى عليه السلام وهو موقف طالب العلم من العالم، فإنه لابد أن يكون موقف طالب العلم من العالم موقف أدب في الطلب، ولا بد أن يطلب العلم منه بأدب، وأن يكون مؤدبا، انظروا إلى موسى عليه السلام كيف خاطب الخضر، فكان ذات أسلوب استفهام، مؤدب جدا هو يخيره.
يقول يعني إذا كنت مشغول أو لا تريد أو لم تشأ فأنا لا ألزمك بهذا، وأنا تابع لك لا أخرج عنك هل أتبعك اتباع، وقال له كذلك سأكون عند حسن ظنك، كذلك يجب أن يكون موقف طلبة العلم من العلماء حسن الأدب، لا يرفع صوته فوق صوت العالم، ولا يحتج مع العالم، ولا يجهل العالم، ويسفه رأي العالم العلماء ورثة الأنبياء، وكذلك التواضع في طلب العلم الشرعي، فلابد أن يكون هناك تواضع في طلب العلم الشرعي، ولابد أن يكون حرص على الاستفادة من الآخرين حتى لو كنت أعلم من هذا الآخر بشيء، فقد يكون الآخر أعلم منك بشيء آخر، فإذا ليس من الصحيح أن تقول والله أنا أعلم من فلان، لماذا أذهب أتلقى عنه العلم؟ كيف أسأله؟ لا قد تخفى أحيانا مسائل على عالم وتظهر لطالب علم، وكم من صغار الطلبة في حلقات المشايخ والعلماء يفيدون الشيخ بأشياء لم يكن يعرفها من قبل، وهذا معروف فيجب التواضع في طلب العلم من الناس، حتى لو كانوا أصغر شأنا أو أقل علما، ونبى الله موسى عليه السلام هو أفضل من الخضر، ونبى الله موسى من أولي العزم من الرسل، وإن الخضر ليس من أولي العزم، فموسى أفضل من الخضر، لكن هل دفع موسى هذه المنزلة التي أعطاه الله إياها على التكبر على الخضر، ويقول: كيف أتبع هذا لا يمكن أن أتبعه، لا بل حرص على أن يتبعه، وسأل الله عز وجل كيف أستدل عليه، وكيف أذهب إليه؟ وأن الإنسان مهما أوتي من علم فهو جاهل، ويعني جاهل بالنسبة إلى علم الله.
مهما أوتي من علم فعلمه قليل، ولذلك يقول الخضر لنبى الله موسى ” وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا” فعندما يسئل الإنسان عن شيء لا يعلمه ماذا يقول؟ الله أعلم، أو يقول لا أدرى، كذلك عدم الموقف السلبي من الشيء إلا بعد تعلمه، والوقوف على حقيقته، وهذا يعني الناس أعداء ما جهلوا، العادة أن الواحد إذا جهل الشيء يصبح عدوا له، ولذلك لا يحسن بالإنسان لا يجوز له أن ينكر قضية حتى يعرف يقف على حكمها، لأن بعض الناس أول ما يسمع الحكم قد يكون حكم غريب عليه أول مرة يسمعه، يبادر فورا إلى إنكاره، هذا لا يجوز، هذا غير صحيح، فإذا وقفت على المسألة عرفت الأدلة وسألت عنها أهل العلم وإلا تنكر مباشرة هكذا من عندك، ولذلك أحيانا يقف الناس من الداعية موقف العداء، قد لا يكو موقف العداء لمجرد العداء والشر في النفس، ولكن يقفون منها موقف العداء لجهلهم بها، لذلك يجب على الداعية أن يوضح دعوته للناس حتى لا يسبب العداوة منهم لدعوته، ويعني هذا أن بعض الناس يعادون ليس من أجل العداوة أو فيهم شر، وإنما يعادون لأنهم يجهلون حقيقة ما تدعوه إليه، لذلك لا بد من توضيح دعوتك، وكثير من الناس سبب صدودهم ومعاداتهم الجهل، وقيل أن واحد من المسلمين ذهب إلى بلد، فوجد وهو يمشي في شارع من شوارع تلك البلدة وجد أصوات وضوضاء وجلبة وتجمع ناس، فذهب فسأل ما هذا؟ قالوا هذا مؤتمر أو اجتماع، فقال لهم لماذا الاجتماع هذا؟
قالوا عقدنا اجتماع لنسب ونبين مثالب هذا الضال الذي أضل الناس, وفتنهم عن دينهم، وأتى بالبدع، قال ومن هذا الرجل؟ قالوا ابن تيمية، فأمسك هذا الرجل واحدا من هؤلاء الناس الذين مشتركين في هذا الاجتماع، فقال له هل قرأت شيئا لابن تيمية؟ قال لا، ما قرأت شيئا لابن تيمية، فقال له كيف تحكم على الرجل وأنت لم تقرأ له، وأنت لم تعرف عنه؟ ثم أعطاه نسخة من كتاب العقيدة الواسطية مترجمة بلغة بلده، وأعطاه عنوانه، ثم رجع إلى بلده، بعد فترة وصلت من ذلك الشاب رسالة، يقول فيها بعد السلام والتحية لقد أطلعت على الكتاب، وقد عرفت الآن لماذا ابن تيمية شيخ الإسلام؟ لأنه جاهل ما يعرف ما قرأ، والناس عادة يتابعون بعضهم، يعني واحد يطلع إشاعة فلان عدو الله، فلان مبتدع وضال، وواحد يرفع لواء السب والشتم والبدعة يتبعوه، وأن هناك موقف آخر حصل في بلد أخرى، حيث كانت سمعة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في هذه البلد كانت سمعة سيئة جدا، وبعض الحجاج الذين كانوا يأتون إلى الحجاز، وكان في الحجاز من يعادي دعوة شيخ الإسلام كانوا يرجعون معهم إلى بلدهم، وإلى سائر أقطار العالم الإسلامي بأفكار سيئة، ومضللة عن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ما قابلوه، ولا سمعوا منه حتى أن بعض علمائهم في بلدهم كانوا على الملأ يشتمون الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويسبونه، فذهب أحد طلبة العلم أخذ كتاب كشف الشبهات، أو كتاب آخر للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ونزع غلافه الذي عليه اسم المؤلف، وطرق باب هذا العالم، أو ما كان موجود فدخل، وجلس ووضع الكتاب على طاولته، وانصرف جاء هذا العالم الذي كان يسب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ويشتمه في المجالس، والملأ، ووجد الكتاب على الطاولة، وبدافع حب الاستطلاع وتعلم العلم فتح الكتاب، وقرأ الكتاب، فوجد كلاما جميلا جيدا، ثم أنه سأل من الذي أحضر الكتاب قالوا له فلان، فلما قابله، قال يا أخي هذا الكتاب جيد وممتاز، وأنا أتمنى أن أعرف من الذي ألف الكتاب، قال ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أنت تقول عنه كذا وكذا، فأصبح هذا العالم من كبار أنصار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بلده، وكذلك من الدروس المستفاده أن الرجل الذي يعلم الناس يجب أن يكون متواضعا، قد يحمل العلم بعض الناس على التكبر على الآخرين بعلمه، يرى أنه أفضل منهم، وأعلا منهم، وأعلم منهم، فيتكبر عليهم، وما يعطيهم وجه حتى لو جاءه واحد يسأله، يقول له أبعد عني أنا مشغول، فهذا مناف لأدب الشرع، ولذلك انظروا إلى الخضر عليه السلام لما كان هو ونبى الله موسى في السفينة، وجاء طائر فنقر في البحر، ماذا قال الخضر؟ قال يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر العصفور في هذا البحر، هذا الكلام لا يصدر إلا عن رجل متواضع، وكذلك من التواضع في طلب العلم نسبة العلم إلى الله تعالى حتى لو استنبط إنسان استنباطا جيدا، وهذا القول ما سبقني إليه أحد من الناس.
وأنا أول من كشفته، وأول من أصدرته، ولم أر هذا الكلام لأحد في كتاب من قبل، ويرجع الفضل في هذا الاستنباط وهذا الكلام لله وحده، هو الذي وهب العقل، فأي شيء تستنبطه بعقلك أساسا ما أتيت به من عندك، يعني صاحب الفضل هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أعطاك هذا العقل، كذلك لابد أن نعرف أن العلم أحيانا يكون بطريقة شديدة على النفس، ويكون على حساب مشاعر الإنسان وأحاسيسه، ويعني ذلك أنه أحيانا الواحد إذا تعلم قضية قد يقف في شيء من الذلة، يعني موقف من الذل، لذلك أحيانا، واحد يخطئ ويقع في مزلة، فيأتي إنسان ويصحح له هذا الكلام قد يكون التصحيح برد على الملأ، يقول له هذا خطأ الذي ذكرت خطأ، وخصوصا إذا كان التصحيح لمصلحة شرعية، مثل أن الخطأ هذا أمام الناس، ولابد من إنكاره، الآن إذا تفرق الناس من يصلح لهم الخطأ، الإنكار هكذا أمام الناس على الملأ، قد يجعل الشخص الآخر المتكلم يجد في نفسه غضاضة، كيف يجرح شعوري أمام الناس؟ وكيف يخطئني أمام الناس؟ أو يرد عليه مثلا بكتاب، أو بمقال يرد على خطئه بمقال، وينتشر هذا المقال بين الناس، وهذا الكتاب بين الناس، الآن القضية شديدة على النفس، التصحيح صار على الملأ أمام الناس، التسفيه أمام الناس، ما هو الموقف الصحيح؟ فهل الموقف الصحيح أن يصدر هذا الإنسان ردا على ذلك الرد؟ ويدافع فيه عن نفسه بالباطل؟ وغرضه من هذا الرد إعادة الاعتبار إلى نفسه، وحتى يعني يظهر ويلمع صورته أمام الناس؟
هل هذا هو المطلوب؟ كلا فإن الاعتراف بالحق فضيلة، لا بأس أن يقول في مقال آخر، والفضل لله تعالى ثم لفلان الذي نبهني إلى هذا الخطأ، والذي بصرني فيه، والذي وضح لي القضية، فبعض العلماء تجد هذا في كتبهم يقول وقد كنت برهة من الزمن أظن أن القضية كذا وكذا، وأن شرح الحديث الفلاني كذا وكذا حتى نبهني بعض صغار طلبة العلم إلى الموضوع، يبين، هذا تواضع، أما أن يحملنا تخطئة الآخرين الصحيحة تبيان الصحيح، يحملنا على أن نسفه آراءهم، ونجحد فضلهم، ونقول نحن اكتشفنا هذا بأنفسنا، وأنا اكتشفت القضية من نفسي، وهو ما اكتشفها من نفسه، فهذا من المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، فلابد أن يكون اتباع الشيخ، والعالم على حسب الشرع، فالقاعدة الإسلامية لا تكون الطاعة إلا بالمعروف، وإن بغير المعروف ليس هناك طاعة، والذين يلزمون متبوعيهم بأن يطيعوهم، ويقولون لهم إذا أخطأنا الإثم علينا نحن أنتم مالكم شغل، أنتم فقط اتبعونا، هذا كلام خطير، الله تعالى في عدة مواضع في القرآن الكريم ينعي على الكفار والمشركين أنهم ما عندهم أدلة على كفرهم وعلى مبادئهم فقال تعالى كما جاء فى سورة الأحقاف “ائتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين” أى هاتوا دليل؟ أتبعك على ماذا؟ لابد أن يكون هناك بصيرة، توضح لي الموقف فأتبعك، أما أنك تجرني خلفك بسلسلة، وتقول أينما ذهبت تذهب ورائي، هذا غير صحيح، هذا مبدأ غير إسلامي، وغير شرعي.