قرأت لك موافقة الولايات المتحدة على الصفقة العسكرية الجديدة لمصر … المغزى والمفهوم
لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
مع تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن مهام منصبه، في البيت الأبيض، في أواخر الشهر الماضي، وافقت إدارته على صفقة صواريخ تكتيكية من طراز (RAM) بلوك 2، والمعدات ذات الصلة بها، إلى مصر. وخرج بيان وكالة التعاون الأمني الدفاعي، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، مؤكداً أن وزارة الخارجية الأمريكية اتخذت قرار الموافقة على الصفقة عسكرية، من صواريخ (RAM) بتكلفة تقديرية تبلغ 197 مليون دولار، في إطار المساعدة في تحسين أمن دولة حليفة، رئيسية، من خارج حلف الناتو، والتي تعتبر شريكاً استراتيجياً محورياً في الشرق الأوسط.
ووفقاً لنص الإعلان الرسمي الأمريكي، تتضمن الصفقة كذلك دعماً لسفن الصواريخ السريعة، التابعة للبحرية المصرية، من خلال توفير دفاعات قوية على المناطق الساحلية المصرية، ومداخل قناة السويس، كما أكد البيان على قدرة مصر على استيعاب تلك الأسلحة والمعدات في منظومتها العسكرية، دون صعوبات، نظراً لأن قواتها المسلحة تقوم، بالفعل، بتشغيل صواريخ RAM Block 1A التي قامت بشرائها في صفقة سابقة.
ولمن لا يعلم، فإن صواريخ (RAM)، أو Rolling Airframe Missiles، هي صواريخ أرض جو، لا يملكها سوى سلاح البحرية الأمريكية، وعدد قليل من الدول من بينها السعودية وألمانيا واليونان وتركيا والمكسيك وكوريا الجنوبية ومصر، ومخصصة لتسليح لنشات الصواريخ الشبحية الهجومية من فئة امبادو، التي تستخدمها البحرية المصرية.
وبتحليل القرار والبيان الأمريكي، المفسر له، نجد أن أهم ما جاء به هو التأكيد على أن مصر لاتزال شريكاً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأوسط. وهو ما أزال الكثير من التخوفات المرتبطة بسياسة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تجاه الشرق الأوسط، خاصة بعدما بدأ عهده بإلغاء العمل بالعديد من القرارات التي اتخذها سلفه الرئيس دونالد ترامب.
أما المفهوم الآخر الناتج عن موافقة الولايات المتحدة على تلك الصفقة، لتسليح اللنشات والصواريخ الهجومية المصرية، هو إدراكها وتفهمها لحق مصر، خاصة في الفترة الراهنة، في حماية سواحلها البحرية، واستثماراتها في البحر المتوسط، المتمثلة في حقول الغاز الطبيعي، فضلاً عن ضرورة تأمين خطوط الملاحة في البحر الأحمر، لحماية قناة السويس، الشريان الحيوي العالمي، بعد سيطرة الحوثيون على اليمن، وما يمثله وجودهم من تهديد لباب المندب. وعليه فقد جاءت تلك الصفقة كرسالة لمن يهمه الأمر، بأن الولايات المتحدة تؤكد على رفع الكفاءة القتالية للقوات البحرية المصرية للتصدي لأي تهديدات في البحر المتوسط والبحر الأحمر.
اشتملت الموافقة على تلك الصفقة، كذلك، على رسالة إضافية، بالتأكيد على قدرة القوات البحرية المصرية على امتلاك هذا النوع المتطور من الصواريخ، وهو ما يعد شهادة بكفاءة البحرية المصرية. فضلاً عن أن تلك الصفقة العسكرية تعد بمثابة موافقة ضمنية على اتجاه مصر لتنويع مصادر أسلحتها، إذ تمت الصفقة بعدما حصلت مصر، بالفعل، على 4 غواصات من ألمانيا، وحاملات المروحيات الميسترال والطائرات الهجومية الرافال من فرنسا، والفرقاطات الشبحية من إيطاليا، وطائرات ميج 29 من روسيا، وهو ما يختلف عن موقف الولايات المتحدة المعارض لتركيا إزاء شراءها لمنظومة الصواريخ S400 من روسيا، إذ قررت فرض عقوبات عليها حال عدم تراجعها عن تلك الصفقة. يضاف إلى ذلك أن نجاح مصر في التصدي للعمليات الإرهابية، في الفترة الماضية، يتسق مع الأهداف الأمريكية التي أعلنها الرئيس بايدن، في الأسبوع الماضي، خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للسلام، من أن بلاده مصرة على القضاء على عناصر داعش الإرهابية في المنطقة، وهو ما يؤكد مصداقية مصر كونها ليست دولة معتدية.
جدير بالذكر أن هذا القرار الأمريكي خرج من البيت الأبيض مدعوماً بتوصية وزارة الخارجية بأن مصر لاتزال شريكاً استراتيجياً مهماً في الشرق الأوسط، وهو ما يتسق مع رأي المؤسسة العسكرية، الممثلة في البنتاجون، التي تؤكد دائماً على أن مصر حليفاً محورياً في المنطقة، شأنهم في ذلك شأن باقي مؤسسات الإدارة الأمريكية. وهو ما يعيدني بالذاكرة إلى فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، الذي جمد، يوماً، عودة المروحيات المصرية (الأباتشي) إلى مصر، بعد إتمام عملية الصيانة الدورية لها بالولايات المتحدة، فإذا بالبنتاجون، يلغي قراره، بما يخوله له الدستور الأمريكي من صلاحيات، مفسراً ذلك بأن قراره يضر بمصالح الأمن القومي الأمريكي.
وفي ذات السياق، فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، أحد أهم دعائم اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية، لم تتخل عن رأيها، يوماً، بضرورة استمرار دعم مصر، كدولة محورية وهامة في المنطقة، وهو ما يؤدي لضمان استقرار الأمن في منطقة الشرق الأوسط. ولا ننسى اجتماع الرئيس أوباما، مع أعضاء من إدارته، بعد اندلاع أحداث يناير 2011، والذي نادى فيه بضرورة رحيل الرئيس مبارك، ووافقته في الرأي هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته، بينما رأى جو بايدن، نائبه في ذلك الحين، ضرورة الحفاظ على استقرار مصر، لانعكاسات ذلك على باقي دول المنطقة.
واليوم نرى، مرة أخرى، اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية للإبقاء والحفاظ على مكانة مصر كحليف استراتيجي لها، باعتبارها رمانة الميزان وحجر زاوية الأمان في الشرق الأوسط وركيزة الاستقرار في المنطقة …. وهو ما أثبتته السنوات الماضية، رغم تغير الإدارات الأمريكية.