دين ودنيا

ماذا عن القرآن الكريم ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع القرآن الكريم، وقد أمرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بقراءته وتعاهده، فعن أَبِي موسى الأشعرى رضي الله عنه عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” تعاهدوا القرآن، فوالذى نفسى بيده لهو أشد تفصيا من الإبل فى عقلها ” رواه البخاري، فالقرآن الكريم مُكون أساسى من مكونات الشخصية المسلمة، فمنه يستمد المسلم تعاليم دينه وآدابه، فعلى المسلم أن يسعى إلى تعلم قراءته جيدا، وهذا الأمر ليس عسيرا، فإننا نجد من الناس من يلجأ إلى تعلم اللغات الأجنبية، وتكبد المشاق في سبيل تحصيل ألوان من العلوم للحصول على وظيفة تدر عليه دخلا وفيرا، فكيف بمثل هذا أن يتكاسل عن تعلم كلام الله تعالى متعللا بصعوبة قراءته ولقد وعدنا الحق سبحانه وتعالى أن ييسر كتابه علينا قراءة وتعبدا، فقال الله تعالى فى سورة القمر ” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ” فيجب علينا أن نتدبر آياته وكأنه يتنزل على قارئه، فإن واجبنا نحو القرآن الكريم لا يتوقف عند حد التلاوة فحسب، بل علينا أن نتدبره حتى نتذوق حلاوته ونستشعر عظمته، فهل نتدبر القرآن كما نتدبر الفيس بوك وتويتر والواتس آب والمسلسل العربي والهندي والتركي واللبناني والفيلم بجميع أنواعه والمباريات وغيرها.

أم هل أنزل الله القرآن ليقرأ على الأموات في القبور؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع في العلب القطيفة الفخمة الضخمة التي توضع في مؤخرة السيارة، وفى غرف الصالون؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع في البراويز الفضية والذهبية ويعلق على الجدران والحوائط؟ هل أنزل الله القرآن ليحلى به النساء صدورهن في مصاحف صغيرة؟ هل أنزل الله القرآن ليهديه الحكام والزعماء إلى بعضهم البعض، فإن من أعظم حقوق القرآن على الأمة التي أنزل الله على نبيها القرآن آن تقرأ القرآن بتدبر بتفهم بتعقل فقال الله تعالى فى سورة محمد ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” أي قد أغلق على ما فيها من الشر، وأقفلت فلا يدخلها خير أبدا، فهذا هو كلام الله جل جلاله ألا وهو القرآن الكريم الذي لو أنزله الله على جبل لتصدع الجبل من خشية الجليل فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الحشر ” لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ” ولكن كيف تخشع الجبال للقرآن ولا تخشع القلوب؟ سؤال مرير كيف تتصدع الجبال للقرآن ولا تتحرك له القلوب، وهو أنه ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف، فالصنف الأول هو ميت القلب فهذا لو سمع القرآن كله ما تدبر وما تأثر.

والصنف الثاني فهو حي القلب لكنه معرض عن القرآن، حي القلب لكنه لا يسمع بأذن رأسه ولا بأذن قلبه لآيات الله المتلوة، ومن ثم هو لا يتأثر البتة بآيات الله المتلوة والمرئية في الكون لأنه معرض بسمعه وقلبه عن الله عز وجل وهؤلاء هم أهل الغفلة عياذا بالله، والصنف الثالث هو حي القلب منتفع بالآيات المتلوة والمرتبة فقال الله تعالى موضحا ذلك فى سورة ق ” إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ” فرجل حي القلب ومع ذلك إذا سمع من الله أصغى بسمعه واستجمع كل كيانه وكل جوارحه بإنصات وخشوع ليسمع عن الله إذا سمع ربه يقول ” يا أيها الذين آمنوا ” أصغى بسمعه وانتبه غاية الانتباه لأن الذي ينادى عليه ربه، فإما خيرا سيأمر به وإما شراً سينهى عنه، فإذا تلى عليه القرآن الكريم تأثر فخشع قلبه واقشعرت جوارحه وانطلق ليحول هذا الكلام الغالي الجليل إلى واقع عملي في دنيا الناس، وهذا هو الذي ينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المشهودة أي المرئية في الكون من عرشه إلى فرشه، فالقرآن تخشع وتتصدع له الجبال ولا تتحرك له القلوب الموات لذا قال عثمان رضى الله عنه والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا، وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا يا رسول الله من هم ؟ قال، هم أهل القران أهل الله وخاصته” وعن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه” وعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” وعن جابر رضي الله عنه ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد” وعن أبى هريرة رضى الله عنهن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ” الم ” حرف ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط”

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول يا رب إرض عنه، فيقال إقرأ وإرق ويزاد بكل آية حسنة” وقال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال ” إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين” وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب” ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر” وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ” وعن عقبة بن عامر الجهني قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال.

” أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله ولاقطع أى قطيعة رحم ؟ قالوا كلنا يا رسول الله، قال ” فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيراَ له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل ” وإن من الفضل الذي يلبِسه القرآن الكريم لصاحبه أنه ينسب إليه، فيصير من أهل القرآن، ومن أهل الله وخاصته، وحتى يتصف القارئ بهذه الصفة، فإن عليه أن يجتهد في تزكية نفسه، وتنقية قلبه، وأن يؤدي حق القرآن، ويُقبل عليه، ويتطهر من الذنوب، ويكثر من الطاعات، وإن من الفضل الذي يلحق أهل القرآن في الدُنيا هو أن إكرام حملة القرآن وسيلة من وسائل إكرام الله والتقرب منه، كما ترتفع درجات العبد في الجنة بالقرآن، وأيضا فإن شرف العلم من شرف المعلوم، فإن كان المعلوم والمحفوظ هو كتاب الله، فإن ذلك سبب لزيادة شأن حامليه، وارتفاع قَدرهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، ” اقرؤوا الزهراوين، وهما البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما واقرؤوا سورة البقرة، فإن أَخذها بركة.

وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة، وقال معاوية بلغني أنَ البطلةَ هم السحرة، وفي رواية مثله، غير أنه قال وكأنهما في كليهما، ولم يذكر قول معاويةَ بلغني، وإن قراءة القرآن الكريم هي عبادة من أجل العبادات، والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، فالقرآن الكريم رحمة من الله تعالى، ومأدبته لعباده، وتلاوته من العبادات التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغب المسلمين فيها، وذلك بأن بشرّهم بأن قارئ القرآن الكريم مع السفرة الكرام البررة، وهي وصية من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، لأمته بأن يحفظوا كتاب الله، ويتعاهدوه فيما بينهم، بمراجعته، والعمل بما جاء فيه، ومما ورد في السنة أن ختم القرآن الكريم مرة كل شهر مستحب، وأن أقل مدة يمكن أن يختم فيها القرآن هي كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عنها، حتى يتاح له وقت في التدبر، والتفكر بآياته، فمن يشغل وقته بالقرآن الكريم عن زخارف الدنيا كان له عوض من الله تعالى عنها، فمن كان قلبه خاليا من القرآن الكريم فإنما هو كالبيت الخرب، وإن من آداب قراءة القرآن الكريم هو الإخلاص، واستحضار النفس أثناء قراءته، فيتذكر العبد أنه يناجي الله تعالى، وكما أنه يستحب تنظيف الفم بالسواك ونحوه، وهذا الفعل هو من السنة النبوية الشريفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock