دين ودنيا

فى طريق النور ومع القرآن الكريم ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع القرآن الكريم، وإن هدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم وهوالقرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من فعل الأوامر وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإقامة عند حدود الله عز وجل وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى، فاتباع الهدى هو تصديق الأخبار وطاعة الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله، فلا يتعدى ما حد الله تعالى له ولا يقع في محارم الله عز وجل، ومن استقام على هذا طاعة لله تعالى وإخلاصا له ومحبة له وتعظيما له، وإيمانا به وبرسله الكرام، فإنه لا يضل في الدنيا بل هو على الهدى، ولا يشقى في الآخرة بل هو سعيد في الدنيا والآخرة، وأما من أعرض عن ذكر الله تعالى ويعني عن كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يتبع الهدى فإن له معيشة ضنكا، والله عز وجل يبتليه بالمعيشة الضنك، وهي ما يقع في قلبه من القلق والضيق والحرج ولو أعطي الدنيا كلها، فإنما يقع في قلبه من الضيق والحرج والشك والريب، وهو العيشة الضنك، وهذا من العقاب المعجل، وله يوم القيامة العذاب الأليم في دار الهوان في دار الجحيم، ومع هذا يحشره الله أعمى يوم القيامة.

فعلى العبد أن يحذر معصية الله وأن ينقاد لشرع الله وأن يستقيم على هداه، الذي جاء به كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وأن يستقيم على الحق أينما كان، فهذا هو اتباع الهدى، والله سبحانه وتعالى هو الموفق لعباده فعلى المسلم والمسلمة الضراعة إلى الله، فكل مؤمن ومؤمنة يضرع إلى الله، ويسأله سبحانه التوفيق والهداية ويجتهد في التفقه في الدين والتعلم والتبصر، فيتدبر كتاب الله ويكثر من تلاوته حتى يستقيم على الأوامر وينتهي عن النواهي، وحتى يصدق أخبار الله عما كان وما يكون، وهكذا يعتني بالسنة، سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حفظا ودراسة ومذاكرة مع العلماء وطلبة العلم حتى يستقيم على الحق، ويسأل عما أشكل عليه، الذي لا يعلم يسأل أهل العلم ويتبصر ويتفقه حتى يستقيم على هدى، وحتى يكون سيره إلى الله تعالى عن علم بما قاله الله ورسوله، إما بطلبه للعلم واجتهاده في الخير، وإما بسؤاله أهل العلم، كما قال الله سبحانه وتعالى فى سورة النحل ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” وإن من صدق في الطلب والضراعة إلى الله، واجتهد في ذلك وأخلص لله قصده وابتعد عن مساخط الله، وجالس العلماء وسألهم عما يجهله من دينه، فالله سبحانه يعينه ويوفقه.

كما قال تعالى فى سورة الطلاق ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ” وقال تعالى أيضا فى سورة الطلاق ” ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ” وكما قال الله تعالى فى سورة الأنفال ” يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ” والفرقان هو الهدى والنور، فمن اتقى الله واجتهد في طلب العلم، وسأل عما أشكل عليه وأخلص لله في ذلك فالله سبحانه وتعالى يجعل له فرقان يعطيه العلم، ويوفقه ويهديه سبحانه فضلا منه وإحسانا عز وجل، هذا شأنه تعالى مع أوليائه وأهل طاعته والصادقين في محبته، واتباع ما يرضيه سبحانه فهو أهل الجود والفضل يهديهم ويعينهم ويوفقهم، ولكن نجد أن كثير من الناس هجر القرآن الكريم، والهجر هو الترك، أي تركوا القرآن، ومعنى تركوه؟ يعني لا يقرؤونه، وهذا نوع من الترك، لكن ليس الترك هو عدم القراءة فقط، فإن الهجر يكون الهجر للتلاوة وعدم قراءة القرآن، فكثير من الناس قد يمر عليه سنة ولم يقرأ القرآن، ودعك من الأيام والشهور، فقد تمر عليه سنة ما قرأ القرآن وإن قرأ شيء منه فإنه لا يكمله وهذا هو هجر ترك التلاوة، وإن النوع الثاني من الهجر، هو هجر التدبر، فإن بعض الناس يقرأ القرآن ربما يختم الختمات الكثيرة في اليوم والليلة.

وفي الشهر والأيام ويردد القرآن لكن لا يتدبره وإنما هي ألفاظ تجري على لسانه فقط بدون أن يتدبرها وأن يراجع تفسيرها وأن يعرف معناها مع أن هذا واجب عليه، وأما عن النوع الثالث، فهو هجر العمل، فقد يكون الإنسان يتلو القرآن ويحفظه وربما يحفظه بالقراءات العشر وربما أنه يحفظه ويتدبره ويعرف التفسير لكنه لا يعمل به، فيهجر العمل بالقرآن، وإن العمل هو الغاية وهو المطلوب، فإن تعلم القرآن وتلاوة القرآن والتدبر هذه وسائل، ولكن الغاية والمطلوب هو العمل، فعلى حامل القرآن وكل مسلم يحمل القرآن أو يحمل بعضه عليه أن يتدبر القرآن، وعليه أن يتلو القرآن، وأن يعمل به عليه وأن يحفظ القرآن ويتلو القرآن وعليه أن يتدبره وعليه أن يعمل به، وإلا فإنه سيكون هاجرا للقرآن بأى نوع من أنواع الهجر المذكورة، كذلك من أنواع الهجر هو هجر الحكم بالقرآن، وإن كثير من الدول التي تدّعي الإسلام لا تحكم بالقرآن وإنما تحكم بالقوانين الوضعية وهي مسلمة تدعي الإسلام، أين هو القرآن من الإسلام؟ فالواجب أن يُتخذ القرآن هو الحكم، فالله عز وجل أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، فيجب تحكيم القرآن الكريم، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة.

” فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ” فعلى كل مسلم على حسب مسؤوليته في هذه الحياة أن يعمل بالقرآن حاكما ومحكوما، ذكرا وأنثى، عالما، متعلما، جاهلا، كل عليه أن يتعامل مع هذا القرآن ليلا ونهارا لأنه هو الطريق الصحيح إلى الله سبحانه وتعالى فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو صراط الله المستقيم، هو الحجة، حجة لك أو عليك، هذا هو كتاب الله، هذا هو القرآن، علينا أن نعرف قدره، وأن نعمل به، وعلينا أن نجله، وأن نعظمه وأن نعمل به آناء الليل وآناء النهار، أن نكثر من تلاوته، نرطب ألسنتنا بتلاوته، ننير صدورنا وقلوبنا بالقرآن، ننور بيوتنا بالقرآن وتلاوة القرآن بدلا من الأغاني، بدلا من المحطات والفضائيات والغوغاء والكلام السيء، يكون تلاوة القرآن يصدح في البيوت منا ومن أولادنا ونسائنا ومن المحطات التي تتلو القرآن نفتح عليها ولا نفتح على الأغاني ونفتح على الفتن ونفتح على الهرج والمرج ونفتح على الشرور التي تموج في الناس هذه أمور تشغل الإنسان وتشوش فكره وتبعده عن القرآن ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإن من أهم حقوق القرآن علينا هو تعاهده واستذكاره خوفا من ضياعه ونسيانه، وقد حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلا رائعا فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” تعاهدوا هذا القرآن فوالذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل فى عقلها ” رواه مسلم، وعن ابن عمر رضى الله عنهما، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقله إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت ” رواه البخارى، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه لهذا الحديث ما دام التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ وقد خص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة، وقال ابن عبد البر في الاستذكار، إن في هذا الحديث الحض على درس القرآن الكريم وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن، وحريصا على تلقفه من جبريل عليه السلام.

حتى بلغ من شدة عنايته به، وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه أكثر من المعتاد عند قراءته، خشية أن تفلت منه كلمة، أو يعزب عنه حرف حتى طمأنه ربه، ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يقرأَه لفظه، وأن يفهمه معناه وتفسيره، فأنزل الله تعالى فى سورة القيامة ” لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إنا علينا بيانه ” فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردا ثابتا كل يوم من القرآن الكريم فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب فكذلك لابد له من غذاء روحي يومي ألا وهو القرآن الكريم، فتعالوا لنرى حال الصحابة مع القرآن؟ فبعضهم كان إذا فاته ورده يبكي، وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجوده يبكي بشدة، فسألوه أتشتكي وجعا؟ قال أشد، أشد، قالوا وما ذاك؟ قال نمتُ بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته، وهكذا فإن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد يسره الله لنا فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم من تمسك به نجا ومن أعرض عنه هلك، فلا ينجو من عذاب الله ولا يفوز برحمة الله إلا من تمسّك بهذا القرآن العظيم الذي بين أيدينا، فقد يسره الله وسهله علينا وأمرنا بالعمل به والتمسك به، فيه الهدى والنور، فيه الشفاء، فيه الرحمة، فيه الهداية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock