دين ودنيا

فى طريق النور ومع القرآن الكريم ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع القرآن الكريم، إن كثيرا من الناس يقضون أوقاتا طويلة في تصفح شبكة النت وشبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك، وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام، فلماذا لا يحظى كتاب الله ولو بمثل هذا الاهتمام؟ فلا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثم ينساه، ومما يعين على الحفظ هو كثرة المراجعة، ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها، والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل، فالواجب على الجميع تعلم القرآن الكريم وتعليمه، تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلم القرآن الكريم الذي نزل بلغتهم وحديثهم اليومي؟ ولماذا يصير كلام الله صعبا عليك، فعليك أن تتعلم القرآن وتعلمه لتكون أخير الناس وأفضلهم، فعن عثمان بن عفان رضى الله عنه، عن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” فهو أخير الناس وأفضلهم لأنه نفع نسفه ونفع غيره بتعلم القرآن وتعليمه، وقال ابن حجر، لا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره، أى جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل، فهذا هو كتاب الله فيه السلامة من الفتن.

وفيه النجاة من النار، وفيه السعادة الأبدية، وفيه الخير كله، فهو بشير ونذير وهدى ونور، يشرح الله به الصدور، وينير به البصائر، فهو كتاب الله كلام الله عز وجل، الذي هو خير الكلام وأصدق الكلام، تنزيل من الله العزيز الحكيم، تكلم الله به ونزّله بواسطة جبريل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وأمته تتناقله جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإذا حصلت فتنة أو وقع نزاع بين الناس فإن هذا القرآن يُنهي الخصومات ويُنهي الإشكالات، ويقضي على الفتن، ويوضح الطريق للمؤمنين، فإن به السلامة والنجاة من فتن الدنيا وعذاب الآخرة، فهو نعمة من الله سبحانه وتعالى، أما الذين يعيشون على القوانين الوضعية والأنظمة البشرية فإنهم في ظلام دامس لا يخرجون من الظلام ولا تنتهي مشاكلهم، فقد قال الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة إبراهيم ” كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض ” فهذا هو كتاب الله، الذى يحفظه الكبير والصغير ويحفظه الرجال والنساء وهو ميسر، فقال تعالى فى سورة القمر ” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر “

فهو عذب اللفظ، لذيذ التلاوة، خفيف على اللسان، نور للقلب، طريق إلى الله سبحانه وتعالى، فأي نعمة أكبر من هذه النعمة، ويكفي أنه كلام الله عز وجل الذى لا يأتيه الباطل أبدا، فقال الله تعالى فى سورة فصلت ” لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” لا يتطرق إليه شك، ولا تدور حوله شبهة، لأنه كلام رب العالمين سبحانه وتعالى، ولمّا زعم الكفار أن هذا القرآن من كلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا هذا من قول محمد وليس هو كلام الله تحداهم الله عز وجل بأن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين، فإن محمد صلى الله عليه وسلم بشر مثلكم فأتوا بكلامٍ مثل هذا القرآن إذا كان من كلام محمد فإنكم لا تعجزون أن تأتوا بمثله لأنه بشر مثلكم، وقد تحدى الله الجن والإنس أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فلم يستطيعوا ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور كما في سورة هود، وقال لهم ادعوا من تريدون من البشر من الفصحاء من البلغاء من الشعراء من الجن والإنس ادعوهم يساعدونكم، فقال تعالى ” فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ” لأن كلام الله لا يمكن أن يُضاهى أبدا، ثم إنه سبحانه تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من أقصر السور، وقال لهم فإن لم تفعلوا وهذا خطاب لهم

ولن تفعلوا في المستقبل إلى أن تقوم الساعة ” فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة ” وقد تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من أقصر السور، خذ مثلا سورة العصر التي يحفظها كل أحد، يحفظها الصغير والكبير والذكر والأنثى ربما يقول قائل أنا ما أحفظ القرآن ولا أحفظ كثيرا من القرآن نقول تحفظ سورة العصر هذي لا يعجز أحد عن أن يحفظها سطر وبعض سطر سورة كاملة في سطر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ” والعصر، إن الإنسان لفى خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ” فقد أقسم الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بالعصر الذي هو الليل والنهار والزمان لأن العصر فيه عبر وعظات وآيات، وأيضا العصر فيه العمل من خير أو شر، فالإنسان يعمل في هذا العصر في هذا الدهر في هذا العمر، يعمل إما في الخير وإما في الشر، ولذلك أقسم الله بهذا العصر فقال تعالى ” والعصر إن الإنسان لفى خسر ” وهذا المقسم عليه هو الإنسان أي كل إنسان سواء كان من الملوك أو من الصعاليك أو من العلماء أو من الجهال أو من الأغنياء أو من الفقراء أو من الذكور أو من الإناث أو من العرب أو من العجم كل إنسان، وقوله تعالى “فى خسر” أي في خسارة.

أى في خسارة ونقص مع هذا العصر الذي عاشه إلا من اتصف بأربع صفات، من اتصف بأربع صفات نجا من هذه الخسارة، ومن فقدها فهو خاسر، ولو كان يملك الأرصدة الفخمة ولو كان يملك القصور العالية والعمارات، ولو كان يملك القوة والجنود، ولو كان يخترع الطائرات والدبابات والمدمرات، ولو كان ما كان فإنه خاسر وعمله الذي عمله في هذه الدنيا خسار لا ينفعه عند الله سبحانه وتعالى، إلا من اتصف بأربع صفات الصفة الأولى وهى الإيمان بالله عز وجل، فهو قد آمن بالله سبحانه وتعالى، فآمن بالله ربا وإلها وملكا، فقد آمن به تمام الإيمان فعبده حق عبادته وترك ما نهاه عنه وهذا قوله تعالى ” إلا الذين آمنوا ” وهذه واحدة، وأما الثانية وهى ” وعملوا الصالحات ” أى عملوا مع الإيمان عملوا الأعمال الصالحة، وتركوا الأعمال المحرمة، عملوا بالطاعات وتجنبوا المحرمات، وهذا هو العمل الصالح، هو الذي توفر فيه شرطان، الإخلاص لله فيه، والاتباع للسنة، وليس فيه شرك وليس فيه بدع ومحدثات، هذا هو العمل الصالح، أما إذا كان فيه شرك فهو عمل باطل، وإذا كان فيه بدع فهو عمل باطل، لا يقبله الله سبحانه وتعالى، فهذا قوله تعالى آمنوا وعملوا الصالحات، وأما الصفة الثالثة وهى ما يكفي أن الإنسان يصلح في نفسه.

ويتعلم في نفسه لا يكفي هذا، بل عليه أن يدعوا إلى الله، عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بداية بأهل بيته ومن حوله يدعوا إلى الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يعلم الناس الخير، يعلم الجهال، يدعوهم إلى الله، فلا يقتصر على نفسه ويقول أنا ما علي من الناس، لا، عليك من الناس عليك واجب نحو الناس بأن تدعوا إلى سبيل الله إلى طاعة الله عز وجل بحسب استطاعتك أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر ما يكفي إنك تتجنب المنكر وتعمل بالطاعات في نفسك، لا، لابد أن تنشر الخير على من حولك، فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” وأما عن الصفة الرابعة وهى ” وتواصوا بالصبر ” لأن الذي يعمل الصالحات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله يتعب فيحتاج إلى صبر، يصبر على التعب، الذي يدعوا إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يُؤذى من قبل الناس ويهددونه ويتناولونه ويُعيّرونه لكن يصبر يحبس نفسه ويستمر، الذي ليس عنده صبر لا يستطيع أن يستمر على العمل، لا يستطيع أن يدعو إلى الله، لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

لا يستطيع أن يعلم الناس الخير، يحتاج إلى صبر، يصبر يحمل نفسه يحبس نفسه عن الجزع والصبر هو حبس النفس، وهو ثلاثة أنواع، صبر عن محارم الله، وصبر على طاعة الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فيصبر الإنسان على هذه الأمور ويستمر في عمله، ويستمر في طاعة ربه، ويستمر في الدعوة والأمر بالمعروف، والجهاد في سبيل الله، والنهي عن المنكر يصبر على هذا إلى أن يلقى ربه، فالذي ليس عنده صبر ليس عنده دين، فالصبر هو رأس الدين فدين بلا صبر كجسم بلا رأس، فلا بد من الصبر والإنسان في هذه الحياة مُعرض للأخطار معرض للتعب معرض للآفات، عليه أن يصبر ويتحمل حتى يلقى ربه سبحانه وتعالى، فهذه سورة عظيمة جمعت الخير كله وهي لا تتجاوز السطر الواحد إلا بكلمات يسيرة، كل يحفظها، لكن هل كل يتدبرها؟ هل كل يعمل بها؟ هذا محل السؤال، ليس المراد بالحفظ، ليس المراد كثرة التلاوة، بل المراد التدبر، ومعرفة المعاني، والعمل، العمل بكتاب الله عز وجل هذا هو المطلوب، ولهذا رغب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في تعلم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغا فعن عقبه بن عامر، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فى الصفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أيكم يحب أن يغدو فى كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتى منه بناقتين كوماوين فى غير إثم ولا قطع رحم ” فقلنا يا رسول الله كلنا يحب، قال ” أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث، وأربع، وخير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ” رواه مسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock