فى ذكرى ميلاد المسيح ” الجزء السادس “
إعداد / محمــــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء السادس مع نبى الله عيسى عليه السلام، ولقد كان من خبر نبى الله عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله عليه السلام هو أنه لما انحرف بنو إسرائيل عن الصراط المستقيم، وتجاوزوا حدود الله تعالى، فظلمو ا, وأفسدوا في الأرض وأنكر فريق منهم البعث والحساب والعقاب، وانغمسوا في الشهوات والملذات غير متوقعين حسابا، حينئذ بعث الله إليهم رسوله عيسى ابن مريم رسولا وعلمه التوراة والإنجيل كما قال الله سبحانه وتعالى عنه فى سورة آل عمران ” ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل ” وقد أنزل الله تعالى على نبيه عيسى ابن مريم الإنجيل هدى ونورا، ومصدقا لما في التوراة فقال سبحانه وتعالى فى سورة المائدة ” وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ” ونبى الله عيسى عليه السلام قد بشر بمجيء رسول من الله يأتي من بعده اسمه أحمد وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة الصف ” وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين”
وقام عيسى عليه السلام بدعوة بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده والعمل بأحكام التوراة والإنجيل، وأخذ يجادلهم ويبين فساد مسلكهم، فلما رأى عنادهم وظهرت بوادر الكفر فيهم، وقف في قومه قائلا من أنصاري إلى الله ؟ فآمن به الحواريون وعددهم اثنا عشر وقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة آل عمران ” فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين” وقد أيد الله سبحانه وتعالى نبيه عيسى عليه السلام بمعجزات عظيمة تذكر بقدرة الله، وتربي الروح وتبعث الإيمان بالله واليوم الآخر، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، فقام اليهود الذين أرسل الله إليهم عيسى بمعاداته وصرف الناس عنه وتكذيبه وقذف أمه بالفاحشة فلما رأوا أن الضعفاء والفقراء يؤمنون به، ويلتفون حوله حينئذ دبروا له مكيدة ليقتلوه فحرضوا الرومان عليه، وأوهموا الحاكم الروماني أن في دعوة عيسى زوالا لملكه.
فأصدر أمره بالقبض على عيسى وصلبه، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام على الرجل المنافق الذي وشى به فقبض عليه الجنود يظنونه هو نبى الله عيسى عليه السلام فصلبوه، ونجى الله رسوله عيسى عليه السلام من الصلب والقتل كما حكى الله عن اليهود فى كتابه الكريم فى سورة النساء ” وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما” فرسول الله عيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه وسينزل قبل يوم القيامة ويتبع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وسيكذب اليهود الذين زعموا قتل عيسى وصلبه، والنصارى الذين غلوا فيه وقالوا هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، ولقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى الحديث ” والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ” رواه مسلم، فإذا نزل نبى الله عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة آمن به أهل الكتاب كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم.
فى سورة النساء ” وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ” ونبى الله عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله، وقد أرسله الله لهداية بني إسرائيل والدعوة إلى عبادة الله وحده كما قال سبحانه لليهود والنصارى كما فى سورة النساء ” يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ” والقول بأن عيسى ابن الله قول عظيم ومنكر كبير فقال الله تعالى فى كتابه العزيز فى سورة مريم ” وقالوا اتخذ الرحمن ولدا، لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا، وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ” وعيسى ابن مريم عليهما السلام هو بشر وهو عبد الله ورسوله فمن اعتقد أن المسيح عيسى ابن مريم هو الله فقد كفر فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم “
ومن قال إن المسيح ابن الله أو ثالث ثلاثة فقد كفر فقد قال الله تعالى فى سورة المائدة ” لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم” فالمسيح ابن مريم بشر هو ولد من أم، يأكل ويشرب ويقوم وينام، ويتألم ويبكي، والإله منزه عن ذلك، فكيف يكون إلها، بل هو عبد الله ورسوله فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ” وقد قيل أنه أفسد اليهود والنصارى والصليبيون وأتباعهم دين المسيح وحرفوا فيه وبدلوا وقالوا إن الله قدم ابنه المسيح للقتل والصلب فداء للبشرية، وهذا كله من الباطل والكذب على الله والقول عليه بغير علم، بل كل نفس بما كسبت رهينة وحياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إن لم يكن لهم منهج يسيرون عليه وحدود يقفون عندها فانظر إلى من يفترون على الله الكذب, ويقولون على الله غير الحق، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون”
وقد أخذ الله على النصارى الأخذ على عيسى والعمل بما جاء به , فبدلوا وحرفوا فاختلفوا ثم أعرضوا، فعاقبهم الله بالعداوة والبغضاء في الدنيا وبالعذاب في الآخرة كما قال تعالى فى سورة المائدة ” ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون” وسيقف رسول الله عيسى عليه السلام يوم القيامة أمام رب العالمين فيسأله على رؤوس الأشهاد ماذا قال لبني إسرائيل كما قال سبحانه فى سورة المائدة ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” وقد جعل الله في أتباع عيسى والمؤمنين رأفة ورحمة وهم أقرب مودة لأتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من غيرهم.
كما قال تعالى فى سورة المائدة ” لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون” ورسول الله عيسى ابن مريم هو آخر أنبياء بني إسرائيل ثم بعث الله بعده رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من نسل نبى الله إسماعيل عليه السلام إلى الناس كافة، وهو آخر الأنبياء والمرسلين، ولقد كانت السيدة مريم العذراء قد وُلدت عليها السّلام لأم وأب تقيّين مؤمنين بالله تعالى، فحين حملت أم مريم بابنتها دعت الله سبحانه وتعالى أن يحمي ما في بطنها، ثم نذرته لوجه الله عز وجل، ليكون خادما للدين وعابدا موحّدا، لكن الأم زوجة عمران عندما وضعت ما في بطنها تفاجأت بأنها أنثى، فترددت لأنها نذرت ما في بطنها لله تعالى، لأن طبيعة الأنثى مختلفة عن الذكر في بعض الظروف، لكنها توجهت لله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن يحميها وذريتها من شر الشيطان ورجسه، ثم قامت بالبحث عمن يكفلها لدين الله وتوحيده، فاقترع بنو إسرائيل لاختيار من يكفلها، وكان الكل يريد ذلك الشرف حتى خرج سهم نبي الله زكريا عليه السلام، في كفالتها وهو زوج خالتها، فمكثت مريم عليها السلام في كفالته، وقام زكريا عليه السلام بتربية مريم تربيةً صالحة ورعاها بتقديم ما يلزمها، وأسكنها في محرابه.