مقالات

الدكروري يكتب عن فساد المجتمع بفساد أفرادة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إتقوا الله عباد الله وحافظوا على أولادكم في البيوت وحافظوا عليهم في الأسواق وحافظوا عليهم في التجمعات لا تهملوهم، فينشؤون على ما اعتادوه، فأي إهمال أو تفريط يقع من الآباء في هذا الشأن فهو جريمة يرتكبها الأب أو الأم في حق ولده، بل وفي حق المجتمع كله، ذلك المجتمع الذي انتدبنا الله عز وجل لإعماره وإصلاحه بما يتسق مع القوانين الربانية الإلهية، وأي خلل ولوكان بسيطا من شأنه أن يعطل مسيرة الإعمار والإصلاح في الأرض لذلك كانت مهمة التربية فضلا عن كونها مهمة فردية فهي مهمة مجتمعية من الطراز الأول، حيث فساد المجتمع مرتبط بشكل أساسي بفساد أفراده حيث يقول عز وجل ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون” وأيضا كذلك صلاحه كذلك مرتبط بصلاحهم وتقواهم، وهناك مجتمعات إسلامية فرّط أفرادها في أداء هذا الواجب. 

والقيام بهذه المهمة على وجهها، فكانت النتيجة شرا ووبالا على المجتمع بجميع أفراده وهيئاته ومؤسساته، ففضلا عن تفشي الأخلاق السيئة بين الشباب والأطفال وحتى الكبار، فإن أمراضًا مجتمعية خطيرة باتت تنهش في جسد الأمة الكليل، تقوض أركانه، وتزعزع مبادئه، وتهدم بناءه، وذلك لضعف التربية وإهمال الآباء لزرع القيم والمبادئ لدى النشء، وليس مجرد زرعها وإثبات الإعجاب بما فيها فقط، وإنما التحرك بها، واعتبارها الوقود الذي يدفع عجلة الحياة إلى الأمام، وهذا يحتاج من الآباء إلى جهد مضاعف فلا يهتم الوالد بجمع الأموال اللازمة لتعليم الفتى أو الفتاة وكسوتهما وإطعامهما فحسب، بل يعلم نفسه ويثقفها أولا ليكون جديرا بأداء المهمة التربوية، ثم يشرع في إصلاح نفسه ليكون القدوة التي يضعها الأبناء دوما تحت مجهر النقد والتقليد، وبدون ذلك فإنه لن يتمكن من إخراج منتج تربوي جيد يفخر به. 

ويدفع معه عجلة الإصلاح والنهضة، وإن المسلم الحق يهمه ويكرثه مسلك بنيه نحو ربهم وإخوانهم، وليست وظيفته ومهمته أن يزحم المجتمع بأولاد، ترك حبلهم على غاربِهم وهذا هو هدي الأولين من المؤمنين ، فيا أيها الآباء الأفاضل، إن من المشكلاتِ الكبرى، والنوازلِ العظمى، التي أصيبت بها كثير من المجتمعات الإسلامية تقصير الوالدين في رعاية أولادهما، وتربيتهم على البر والتقوى، ومعالم هذا التقصير كثيرة عديدة، وأما آثار المخدرات على أمن الأمة، فقد أثبتت الدراسات الأمنية، وجود رابطة قوية بين متعاطي المخدرات وأصحاب الجرائم، من جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من اجل الحصول على المخدرات، فالمدمن لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة، من أجل الحصول على هذه المخدرات ، فالخمور والمخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة. 

في كافة المجتمعات بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت خطرا يهدد هذه المجتمعات وتنذر بالانهيار، فالخمر والمخدرات وما كان في معناهما حرام قليله وكثيره، حتى وان لم يذهب العقل إلا بالكثير منه فقليله حرام، فعن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما أسكر كثيرة فقليله حرام” رواه أبو داود، وعليه فكل ما كان مسكرا فهو حرام مهما تغيرت الاسماء ومهما تغير شكله ولونه ما بقيت فيه العلة وهى الإسكار، ويجب أن نعلم جيدا أن من أعظم الجنايات خطرا، وأكبرها ضررا، وأعظمها أثرا في مسيرة الإنسان، في شخصه ونفسه، وفي من حوله، وفي مجتمعه، أن يغيّب العقل، وأن يعبث به، وأن يزول ذلك الميزان الذي يعرف به الإنسان الخير من الشر، ويميز به الحق من الهدى، ويميز به ما ينفع مما يضر، وإن الجناية على العقل جناية تفوق كل الجنايات، وهي مصدر لكل بلاء، وهي مصدر كل آفة. 

فبها تفسد حياة الناس، وبها يفسد دينهم، وبها تفسد مصالحهم، وبها تضطرب حياتهم، وبها ينالون كل ضرر، ويدركون كل شر، وبها يهلك معاشهم ومعادهم، فمن مظاهر التقصير في تربية الأولاد هو الانشغال عن الأولاد بمشاغل الدنيا و تهوين الوالدين المعصية على الأولاد، وتجرئتهم على مواقعة الخطايا والسيئات، وذلك بموافقة الوالدين لهذه الخطايا ومجاهرتهم بها، فإن من الآباء من يكون قد ابتلي ببعض الذنوب، فتجده لا يتورع عن الوقوع فيها أمام أولاده ويجب أن نعلم أن من أعظم الخيانة للأولاد تيسير سُبل المعصية وأسبابها لهم، بالإهمال في تربيتهم على حسن استعمال الأجهزة التي يصلون من خلالها إلى كثير من الشر والفساد إذا لم يحسنوا استعمالها، فليتقى الله هؤلاء، ممن أشقى أولاده، وفوّت عليهم الخير والاستقامة، فويل له ويل له ويل له، وضع في كل غرفة شيطانا، يصد عن سبيل الله، ويبغيها عوجا، 

فأي خيانة أعظم من هذه الخيانة، أيظن من سعى في إفساد أولاده أنه ناج من قوله صلى الله عليه وسلم ” ما مِن عبد يسترعيه الله رعية، فيموت وهو غاش لها إلا لم يجد رائحة الجنة “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock