مقالات

ظاهرة التسول بين براعة التمثيل والحقيقة الزائفة

بقلمي جمال القاضي
ليس غريب أن ينتصر الكذب عن الحقيقة أحيانا ، ليس غريب أن ترى من يصدق الكاذب ، ويكذب الصادق ،ليس غريب أن يتوارى الصدق خجلا وراء ضعف وسائل إثباته ،
قد يستعطفك أحدهم بكلماته مستعينا بالعزف الجميل على إوتار طيبتك ، ليحصل على الصدقة ، قد يستعين أحدهم بإستدعاء موهبته الخارقة والمميزة ، وتفننه في اللعب لدور الممثل على مسرح الشارع ليخرج مافيك من الجميل للجانب الإنساني ، ليجعلك تعطيه رغم الحاجة الشديدة لما يخرجه من مال ، وعلى النقيض ، قد ترى محتاجا حقيقيا ، معتصرا قلبه من الهم وذل حاجته إليك ، ربما يود أن لو كانت يداه تقطع قبل أن تمتد إليك سائلا لك بها عن قليل من النقود والتي جعله يستمر ويعيش بها في الحياه ،
مظاهر تراها وترصدها العيون يوميا من مظاهر التسول بالشوارع ، صارت المناطق مقسمة بين المتسولين بخريطة جغرافية لها حدودا لايجب عليه أن يتخطاها عابرا لغيرها ، وان كان أحد يعبرها فعليه بدفع الجزية لكبيرهم حتى يجلس في مكانه بأمان ، فيذهب الجميع منذ بداية اليوم بممارسة نشاطه فيها بحرية، وقد يمتد النشاط ليلا ومبيتا على الأرصفة ، مع دور الممثل المقيم ، مستعطفا بكلماته الرنانة قلوب البشر ، مستخرجا مافي جيوبهم من مال بالرضا أحيانا وبالغصب مع إحراج من يخرجها لهم ، في مشهد مسيء للغاية .
بجوار احد المواقف الكبرى مشهد من هذه المشاهد الدرامية ، جاءت واحدة من هؤلاء النسوة واقفة بجوار صاحب السيارة الملاكي المحترم ، الذي لم يكن له حظا من قبل أن يقترب من هذه المواقف الخاصة بإنتظار سيارة لنقل الركاب حيث أنه غريب عن المنطقة ، ويعمل موظفا بالقرب منها، باكية أمامه أحد السيدات ذات الثوب الجميل ، سالت دموعها مع صوتها العالي للبكاء ، لفتح باب سيارته ، سائلا لها ماذا يبكيك ؟ قالت أخي كان بإنتظاري هنا ولكن لم أجده ولو كان معي هاتفا لكتت إتصلت به ، وأنا غريبة عن هذا المكان وأبحث عن هاتف محمول لإتصل به وأخبره عن مكاني ، مشهد قاربت معه دموع السائق أن تسيل ،
ليرق قلبه واضعا يده على كتفها مطبطبا عليه ، قائلا لها لاعليك لاتحزني ، هل معك رقم أخيك ؟ قالت نعم ، قال خذي الهاتف وأتصلي به ، لكن من المحزن والمضحك إنها أخذت الهاتف ووضعته في مكان لايجروء هذا الشخص بأن تمتد إليه أو إليها من قريب أو بعيد ، فثار الرجل ، ماذا تفعلين ؟ قالت لو كنت رجلا حقا إقترب وحاول الحصول على هاتفك مني وسوف ترى ما لاتراه من قبل ، هذا الرجل لم يكن قد قام بشراء هاتفه بأغلى ثمن ، لكن خدعته الدموع ، ونجحت هي في دورها الدرامي المؤثر من التمثيل وصارت النهاية واقعا مخزيا لصاحب السيارة .
لماذا ذكرت هذه القصة ؟
في كثير من الأحيان نمر من شوارع ، نلاحظ العديد من المتسولين المنتشرين هنا وهنا ، قد يكونوا معروفين لدى البعض ، لكنهم غير معروفين للكثير ممن يمرون بالطريق صدفة فيعطيهم ، لكن أين هم الفقراء الحقيقيين ؟ إنهم فقدوا الأدوار التي تشبه غيرهم ، فراحوا من ضعف سؤالهم يذدادوا فقرا ، ومن براعة غيرهم في لعب إدوارهم بالتمثيل ،فكان الظن للجميع بأن الكل ممثلا بما فيهم من يحتاج حقا ،
لماذا لم يتم محاربة هذه الظواهر السيئة ؟ لماذا لم يتم حصر الأسر الفقيرة والمعدومة والتي تستحق فعلا ؟ لماذا لم يكون هناك شخصا أمينا يتلقى التبرعات ويتكفل بهم وبالإنفاق عليهم من هذه التبرعات؟ أليس كل مسئول حي أو قرية أو أحد كبار العائلات يعلم ويعرف من هو فقيرا عنده ؟ نحتاج لوقت من التفكير لنقضي على هذه الظاهرة ، ونعطي الصدقة لمن يستحقها فعلا ، فلو كانت كل هذه التى تعطى لمن لايستحق إلى من يستحق لكان كل فقير من الإغنياء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock