بلقيس ملكة سبأ

بقلم / هاجر الرفاعي

بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله فإنها قصة جميلة من قصص القرآن الكريم وقد ابتدأت هذه القصة في سورة النمل عند عرض مشهد الهدهد في حواره مع نبي الله سليمان عليه السلام، وحصوله على الخبر المتعلق بمملكة سبأ، والتي انتهت بخضوع هذه المملكة العظيمة لحكم نبي الله سليمان عليه السلام واعتناقها للدين السماوي.

وإن بلقيس ملكة سبأ التي خلفت ورائها جدل واختلاف كبير بين المراجع التاريخية في تحديد اسم ونسب وتاريخ ميلاد هذه الملكة اليمانية، الملكة التي أنقذت بحكمتها أهل سبأ من شر ذي الإذعار وفساده، وازدهرت مملكة سبأ، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهلها بالخير، والعطاء، والحضارة، والعمران، والتقدم.

وتعد ملكة مملكة سبأ أسطورة مهمة في الحضارة العربية، ورد ذكرها في القرآن الكريم والتوراة والانجيل، إضافة إلى انتشارها في الموروث الثقافي لكثير من شعوب المنطقة بصيغ مختلفة وروايات متعددة، غلب عليها المنحى الأسطوري واتفقت جميع الروايات على عظمتها فأصبحت ملتقى تطلعات جارفة إلى كل ما يحقق للإنسان بشكل عام وللمرأة بشكل خاص أشد أحلامه دفعا له في تجربته، فهي امتلكت الجمال الخارق الذي اقترن بالقوة والمال والحكمة والحب.

وإن بلقيس ملكة اليمن قدمت درسا لجميع نساء العالم وأنها رغم عظمة ملكها الإ أنها كانت تصر علي الظهور في مظهر محتشم سواء في مقر عرشها بمملكة سبأ اليمنية أو أنها قدمت لنبي الله سليمان عليه السلام وهي رسالة بأن الحجاب والاحتشام فطرة كونية منذ خلق الله تعالي أدم حتي يرث الله الأرض من عليها.

ونجد أن قصة الملكة بلقيس في كتب التاريخ والسير مقسمة قسمين، قسم مؤكد لأنه معتمد على القرآن الكريم، وآخر مستند إلى الروايات التي قد تكون صحيحة أو ضعيفة، ولقد اختلف الرواة في نسب الملكة بلقيس اختلافا كبيرا، ولكن أكثرهم يرى أن أم بلقيس جنية، ثم اختلفوا في اسمها فقيل هي رواحة بنت السكر، وقيل يلقمة بنت عمرو بن عمير الجني، ويقولون إنها ابنة ملك الجن، ويزعمون أن سبب زواج والدها من الجن، هو أنه رأى عدم وجود كفء له من الإنس.

ولم يهمل القرآن الكريم في إشاراته لموضوع القيادة ومواصفات القائد، والدور الفاعل التي تلعبه المرأة في شأن الملك والسلطان ، وإدارة شؤون البلاد والتأثير الفاعل في العلاقات الدولية وحسن تدبير سياسة الشعوب فإنها بلقيس المثال الأوضح للقيادة النسوية الحصيفة المحنكة والحكيمة والجريئة، وما لها من دلالات عظيمة الشأن في عالم السياسة والعسكرية والتمدن بكل جوانبه.

وأما عن سبب وصول والد بلقيس إلى الجن، وخطبته منهم؟ فقد تعددت الروايات في ذلك، فمنهم من يقول إن والدها كان يحب الصيد، فربما اصطاد الجن على هيئة الظباء، فيتركها، فشكره ملك الجن على ذلك، فصار صديق ملك الجن، ثم خطب ابنته فوافق على أن يعطيه ساحل البحر ما بين يبرين إلى عدن وهي اليمن، وذكروا رواية أخرى وهي أن والدها رأى حيَّتين بيضاء وسوداء تتصارعان، وكادت الأخيرة تفتك بالأولى، فأمر بقتل السوداء، ونجت البيضاء، وبينما هو في بيته إذ رأى شابا جميلا، فقال له لا تخف أنا الحية التي أنجيتها، وأما الأسود فهو غلام لنا تمرد.

وقتل عدد من بيتي، فعرض عليه ملك الجن أن يشكره بأن يعطيه المال أو يعلمه الطب، فقال له إنه لا يحتاج المال، وأما الطب فهو قبيح للملك ثم سأله إن كانت لديه ابنة أن يزوجه بها فوافق على شرط ألا يُغير شيئا عليها، فإن فعل فارقته، تزوج والد بلقيس ابنة ملك الجن، وحملت وولدت له ولدا، وألقته في النار فسكت ولم يتكلم بسبب الشرط، ثم حملت وولدت له ابنة، فرمتها للكلبة، فسكت أيضا، ثم ذهب هو وجنوده لقتال قوم خرجوا عليه، فبعدما وصلوا لمنتصف الصحراء إذا بالأزواد تخلط بالتراب، والماء يصب على الأرض، فعلم الجند أن ذلك فعل الجن بأمر زوجته، فلم يستطع التحمل، وقال لها لقد ألقيتي ابني في النار فصبرت لذلك.

ورميتي ابنتي للكلبة فصبرت، ثم ها أنت تهلكيني أنا والجند، فقالت له لو صبرت لكان خيرا لك، ثم شرحت سبب تصرفاتها، فأما الأزواد والماء فقد وضع الوزير السم فيها، وطلبت منه أن يأمر الوزير بالأكل منها، فامتنع فقتله، ثم دلتهم على مكان قريب به ماء وطعام، وأما الولد فقد أرسلته لحاضنة ولكنه مات، وأما البنت فهي باقية، فخرجت بلقيس من التراب، ثم فارقته زوجته.