دين ودنيا

وقفه مع سيف الله المسلول ” الجزء الرابع عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع عشر مع سيف الله المسلول، وقد توقفنا عند القائد الذي لم يُهزم في أى معركة في حياته كلها، ولعل أبرز معارك خالد بن الوليدهى معركة اليمامة، ومعركة الولجة، ومعركة اليرموك، وقبل إسلامه كان خالد فارسا من فرسان قريش، وقد ولد الصحابي خالد بن الوليد في مكة المكرمة، ويعود نسبه إلى مرة بن كعب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم السابع، وهو من قبيلة بني مخزوم القرشية العريقة، ووالدته لبابة بنت الحارث وخالته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يُكنى أبا سليمان، وكان أحد أشراف قبيلة قريش قبل الإسلام، وكانت توكل إليه أعنة الخيل والقبة التي يجمعون فيها معدات الجيش الذي يجهزونه، تعلم الفروسية منذ أن كان صغيرا وبرع فيها براعة شديدة حتى أصبح من فرسان قريش الأشداء.

وقد قاتل ضد المسلمين قبل إسلامه في معركة أحد والأحزاب، ولم يحضر بدر الكبرى لأنه كان مسافرا لبلاد الشام، لم يسلم خالد بن الوليد إلا في السنة الثامنة من الهجرة وفي شهر صفر تحديدا بعد صلح الحديبية، وقد رحَّب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح به كثيرا، وقد شارك ضد المسلمين في معركة أحد وكان سببا من أسباب هزيمة المسلمين، كما كان ضمن صفوف جيش الأحزاب في غزوة الخندق أيضا، وبعد صلح الحديبية دخل خالد الإسلام وشارك في أكثر من غزوة واحدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له وجود في غزوة مؤتة وفي فتح مكة أيضا، وفي عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل الخليفة عمر بن الخطاب، خالد بن الوليد من قيادة الجيش، خوفا من افتتان الناس به، فأصبح خالد بن الوليد أحد جند جيش أبي عبيدة بن الجراح.

وقاتل معه في حروب الشام ضد الروم، ثم حط الرحال في مدينة حمص في الشام، عاش فيها أقل من أربع سنوات قبل وفاته، فإنها ليست سيرة أبي بكر، ولا سيرة عمر، وليست سيرة سعد وخالد وأولئك الأبطال العظماء إلا فصولا متشابهة، أو نسخا مكررة من سيرة المعجزة الكبرى في تاريخ البشر، سيرة الانبعاث الأعظم لقوى الخير في الإنسان، سيرة الفتح الذي حير نوابغ القوّاد، وأعلام المؤرخين، سيرة الجندي الذي كان منزويا وراء الرمال، نائما في وهج الشمس، لا يعرف المجد إلا في الحب والحرب، في كأس خمر أو قصيدة شعر، أو غزوة سلب ونهب، فلما هذبته مدرسة الإيمان صيرته الجندي الأكمل في تاريخ الحروب، فلم يعرف التاريخ جنديا أخلص منه لدينه، ولا أقدم منه إلى غايته، ولا يعرف نفسا أطهر من نفسه، ولا سيفا أمضى من سيفه.

إنه الجندي الذي مشى في كل واد، وصعد كل جبل، خاض البحار، وعبر الأنهار، وجاب الأرض كلها حتى نصب للإسلام على كل رابية راية، وأبقى للإسلام في كل أرض وطنا لا تقوى على استلابه من أهله مردة الشياطين، فهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أحدهم كان فارس الإسلام، وليث المشاهد، وقائد الجند المجاهدين، هاجر مسلما في السنة الثامنة للهجرة، فلقيه عمرو بن العاص في الطريق، فقال له إلى أين أبا سليمان؟ قال أذهب والله أسلم، إنه والله لقد استقام المنسم، أي الطريق، إن الرجل لنبي ما أشك فيه، فشهد مؤتة والفتح وحنين، وحارب أهل الردة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، وهدم العُزّى فلا عُزى بعدها، وقاتل الأعداء من كل الأجناس، وصارع الأبطال، وبارز الشجعان.

ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ثم بعد ذلك ما مات إلا على فراشه فلا نامت أعين الجبناء، فلما استشهد قادة جيش مؤتة زيد ثم جعفر ثم ابن رواحة رضي الله عنهم وأرضاهم أخذ الراية ثابت بن أقرم فقال يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا أنت، قال ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فحمل خالد الراية وما معه إلا بقية ثلاثة آلاف، ويحيط به من العدو مئتا ألف، وليس في الدنيا قائد يستطيع أن ينقذ هذه القبضة من الرجال من وسط هذا اللج إلا أن يأتي بأعجوبة وقد أتى بها خالد بن الوليد، واستطاع أن يخرج من لجة البحر من غير أن يبتل، وأن ينسحب من وسط اللهب من غير أن يحترق، وأن يسجل للذكاء العربي الذي هذبه الإسلام هذه المنقبة في تاريخ الحروب، ولقد عمل خطة أنقذ بها الجيش من الإبادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock