سوريا المرجعية الدينية للمسيحية الأرثوذكسية
الكاتب محمود محمد سهيل الجبوري
العلاقة بين روسيا و سوريا علاقة قديمة ذات منحى تاريخي ديني أتت أوكلها حديثا بعد عام 2011 وبالذات كرد فعل لدخول داعش الى سوريا ،جذور تلك العلاقة تعود الى عهد انطاكية المدينة السورية القديمة الواقعة على نهر العاصي و التي اسسها (سلوقس الأول) عام 310 ق .م فكانت عاصمة لسوريا قبل دمشق ، بعد ظهور الديانة المسيحية و وصولها لسوريا اصبحت انطاكية احد الكراسي الرسولية منذ عهدي (بطرس)و (بولس) اللذان يعتبران مؤسسا الكرسي الأنطاكي ، سوريا كانت مقر بطريرك انطاكية التاريخي ، الطائفة المسيحية الأرثوذكسية ينتمون الى بطريركية انطاكية ، في القرن الميلادي الأول كانت انطاكية قاعدة ( بولس) الأساسية في رحلاته التبشيرية ، اقام الرسولان ( بطرس)و (بولس) و معاونوهما في انطاكية عام 42 م ، وبعد ان صارت دمشق عاصمة لسوريا اعتبرت كرسي بطريركي و مقر لثلاث كنائس على مستوى العالم و هي بطريركية انطاكية و سائر المشرق للروم الأرثوذكس و بطريركية انطاكية و سائر المشرق للسريان الأرثوذكس و بطريركية انطاكية ، مقر البطريركية الحالي يقع في الكنيسة المريمية بدمشق ، بعد مضي ثمانمئة عام على انطلاق الديانة المسيحية الأرثوذكسية من سوريا و بالذات في القرن التاسع الميلادي وصلت تلك الديانة الى البلدان السلافية الشرقية بفضل جهود مبشرين يونانيين بعثا من قبل الأمبراطورية البيزنطية ، اذ قام كل من (كيرلس)و (ميثوديوس) و هما اخوين يونانيين بتنصير السلافيين ، و في عام 988 م قام (فلاديمير الأول) امير كييف بأعتناق المسيحية على المذهب الأرثوذكسي داعيا جميع رعاياه على الدخول في هذه الديانة ، ( فلاديمير) ادخل المسيحية الى كييف روس و اصبحت ارثوذكسية و جعلها الدين الرسمي للدولة و اصبح قدّيس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية و هي الكنيسة الوطنية لروسيا و مقر بطريركها هو موسكو ، و تعدّ اكبر الكنائس الأرثوذكسية في العالم و بفضلها اصبحت روسيا اليوم اكبر بلد ارثوذكسي في العالم اذ يبلغ عدد اتباعها حاليا 125 مليون شخص ، عقب سقوط القسطنطينية عام 1453 م تحوّل ثقل الكنيسة الأرثوذكسية الى روسيا ، الأباطرة الروس من اسرة (رومانوف) و هم حماة المذهب الأرثوذكسي اعادوا الثنائية التقليدية في قيادة الكنيسة بينهم و بين البطاركة ، بعدها تحالفت الأمبراطورية الروسية مع سائر الدول الأوربية ، في بداية القرن الرابع عشر الميلادي استقرّ رئيس اساقفة كييف و عموم روسيا في موسكو ، الروس الأرثوذوكس اعتبروا موسكو بأنّها آخر حصن للعقيدة الأرثوذكسية الحقّة و هكذا في عام 1589م نال رئيس الكنيسة الروسية لقب بطريرك ، اوّل قياصرة روسيا و امير موسكو هو (ايفان الرابع ) حكم من 1534ـــ 1584 دعم الكنيسة الأرثوذكسية في انطاكية ، الأمبراطورية الروسية وجدت عام 1721 م و اصبحت روسيا في عهد بطرس الأول (1672 ـــ 1725) اكبر دولة في العالم و اصبحت الكنيسة الأرثوذكسية اداة الدولة و كانت دين الدولة الرسمي ، (بطرس) كان شديد التديّن ، و كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مؤسسة قوية في الأمبراطورية الروسية و ارتبطت بالأسرة الحاكمة ، الغيت البطريركية في عهد (بطرس) ، في عام 1917 اعيد تأسيس البطريركية و تمّ تنصيب ( تيخون) بطريرك بعد الغائها من قبل الأمبراطور (بطرس الأول) لكن ( تيخون) سجن و قتل من قبل الثورة البلشفية عام 1925 ، طيلة تأريخ الأتحاد السوفيتي من 1922 ـــ1991 قمعت السلطات السوفيتية الديانة المسيحية الأرثوذكسية ، بعد انهيار الشيوعية نهضت الكنيسة الأرثوذكسية نهضة قوية ، استقلّت روسيا من جديد عن الأتحاد السوفيتي عام 1991 و استقال ( بوريس يالتسن) لصالح ( فلاديمير بوتين) عام 1999 ، للكنيسة الروسية تأثير كبير على النخب السياسية و منهم الرئيس الروسي الحالي ( فلاديمير بوتين) ، اذ اصبحت الكنيسة الأرثوذكسية اداة طيّعة في يد الحكومة ، روسيا تعتبر الديانة الأرثوذكسية عنصر اساسي من عناصر الهوية الروسية الحديثة ، في العمق التاريخي تعدّ كنيسة انطاكية شريك فاعل لروسيا ، فأصبحت سوريا هي المكان الأمثل للأستفادة من العنصر الأرثوذكسي ، الرئيس الروسي الحالي له مقولة ( نحن لا نتخلّى عن شعبنا ) بأعلانه عودة روسيا الى جذورها المسيحية ، الكنيسة دعمت ( فلاديمير بوتين) سياسيا في عام 2012 عندما ايّد ( كيريل الأول) رأس الكنيسة الروسية الأرثوذكسية انتخاب ( فلاديمير بوتين) رئيس لروسيا عام 2012 ، انطاكية و سوريا هي الأصل و هما المرجعية للديانة المسيحية الأرثوذكسية فمن البديهي ان تتلقّى سوريا دعم و تأييد من الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين) ، فمثلا على المستوى الأقتصادي شطبت روسيا 73% من ديون سوريا عام 2005 ، و قدّمت قرض اوّل لسوريا عام 2012 مقداره 5ر3 مليار دولار ، و كذلك قرضان عام 2017 بقيمة 5ر250 مليون يورو ، امّا على المستوى العسكري و الأمني دعمت الكنيسة الأرثوذكسية شن غارات جوّية في سوريا ضد تنظيم داعش و وصفت ذلك بالمعركة المقدّسة ، اذ بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوّية في الأراضي السورية و بطلب من الرئيس السوري ( بشّار الأسد) بتاريخ 30/9/2015 ، ضمّ سلاح الجو 40ـــ 60 مقاتلة اضافة الى 63 ألف جندي ، الحصيلة هي قتل 86 ألف مسلّح و تدمير 121466 هدف ارهابي ، طيلة سنتان من الدعم العسكري و اللوجستي نفّذ سلاح الجّو الروسي 92 ألف غارة ، مما ادّى الى انحسار تمدد داعش و تقويض نشاطه علما بأنّ تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سوريا بلغت 478 مليون دولار ، و على المستوى السياسي الدولي استخدمت روسيا حقّ النقض 12 مرّة لصالح سوريا في مجلس الأمن الدولي .