لُغَتي تئنُّ .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ من دلائل قدرةِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – وعظمته اختلافُ الألسنِ الذي ترتب عليه تعددُ اللغاتِ ، تلك اللغاتُ التي يعبّرُ بها كلُ قومٍ عن أغراضهم واحتياجاتهم ، وهذا مما امتنَّ الله به على عباده بيْدَ أنَّه – سبحانه وتعالى – قد اختص اللغةَ العربيةَ ، وفضّلها على سائرِ اللغاتِ ، إذ جعلها لغةَ القرآنِ في الدنيا ، ولغةِ أهلِ الجنةِ في الآخرةِ ، وللهِ درُّ أميرِ الشعراءِ حينما قال :
إنَّ الذي ملأَ اللغاتِ محاسنا
جعلَ الجمالَ وسرّه في الضادِ
وواللهِ ما أصدقه ! فلغتنا تتميزُ بغنى حروفها ، وكثرةِ اشتقاقاتِ كلماتها ، وتناسقِ أوزانها ، وتعددِ أساليبها ، وجمالِ تعابيرها وتراكيبها ؛ لذا حقَّ لها أن تقولَ مفاخرةً غيرها من اللغاتِ :
أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنٌ
فهل ساءلوا الغوّاصَّ عن صدفاتي
هذه هي لغتنا ، وما حباها اللهُ به ؛ لذا يتوجبُ علينا صيانتها وعدمُ امتهانتها ، وإنزالها منزلتها اللائقةَ بها ، ولكنَّ المتأملَ في وسائلِ الإعلامِ – مرئيةً كانت أو مسموعةَ – ليجدُ الأمرَ على النقيضِ من ذلك إذ قد أُسيء إلى اللغةِ العربيةِ غايةَ الإساءةِ ، وامتُهنت غايةَ الامتهان ، وظهر ذلك جليّاً في عدمِ إتقانها كتابةً ونطقاً ، ويمكنُ أن نحددَ بعضَ مظاهرِ الإساءةِ إليها فيما يلي :
- حرصُ مدّعي الثقافةِ على إدراجِ بعضِ المصطلحاتِ الأجنبيةِ ، وكذا المفردات في ثنايا حديثهم معتقدين أن أجيادَ منطقهم تتزينُ بها كتزيّنِ أجيادَ الحسانِ بعقودِ اللؤلؤِ ، أو أن ذلك مؤذنٌ لغيرهم بثقافتهم واطلاعهم ، ومن شرِّ البليّة أنهم لا يجيدون نطقّ ما استعاروه مما يصمهم بالجهلِ ، فيكونون بذلك قد أساءوا إلى أنفسهم من ناحيةٍ ، وإلى لغتهم من ناحيةٍ أخرى .
- الوقوعُ في اللحنِ بنوعيه – جليّاً كان أو خفيّاً – ، وهذا إن وقع فيه بعضُ العوامِ لجهلهم فمعذورٌ ، إلا أن وقوعه من قِبلِ بعضِ المتخصصينِ الذين ضجّت بهم الساحةُ الإعلاميةُ في أيامنا هذه خطأٌ لا يُغتفرُ ، فلا يُغفرُ للعالمِ مرةً حتى يُغفرَ للجاهلِ سبعين مرةَ ، وإليكم بعض الأخطاءِ التي يقعُ فيها من لا يُحسنون لغتنا من أبناءِ جلدتنا ممن ينتسبون زوراً إليها :
(اللة وتصويبها اللهُ – بازن اللة وتصويبها بإذن الله – إنشاء الله وتصويبها إن شاء اللهُ -تفائلوا وتصويبها تفاءلوا – أنتي مبدعة وتصويبها أنتِ مبدعةٌ – راءعة وتصويبها رائعةٌ – ي أحمد وتصويبها يا أحمدُ – دمس الأخلاق وتصويبها دمثُ الأخلاق – الأسلوب الغير مباشر وتصويبها الأسلوب غير المباشر – صلي على محمد وتصويبها صلِّ على محمد – تدعوا الجمعية وتصويبها تدعو الجمعية – نرجوا من سيادتكم وتصويبها نرجو – صومن مقبولن وتصويبها صوماً مقبولاً – الإحطرام وتصويبها الاحترام – تطمأن قلوبهم وتصويبها تطمئن قلوبهم )
هذا غيضٌ من فيضٍ ، قليلٌ من كثيرٍ مما وقفنا عليه لدى المتخصصين فضلاً عن العوامِ ، ولولا اشمئزازُ النفسِ ، وضيقِ الوقتِ لأتيتكم بوابلٍ من مثلِ هذه الأخطاءِ التي يتطلبُ إحصاؤها عمراً لكثرتها ، وانتشارها في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي خاصةً عند من يتكلّفون الكتابةَ أو النطقَ باللغةِ العربيةِ الفصحى ، وهم يرفعون المنصوبَ ، ويجرّون المفتوح ، …. إلخ .
فيأيها الغيورون على اللغةِ حافظوا عليها ، ودافعوا عنها ضد من يسيئون إليها فهي هويتكم التي لو لم تزودوا عن حياضها ، وتستميتوا في الدفاعِ عن عمقِ معانيها ، وجمالِ مبانيها لانسلختم من عروبتكم وهويتكم انسلاخَ الحيّةِ من جلدها ، وعندئذٍ تسقطون من عيونِ أنفسكم قبلَ أن تسقطوا من عيونِ غيركم .