مقالات

كتابي ، وما خُطَّ لي فيه .

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

إنَّ لكلِ إنسانٍ كتاباً يُسطّرُ له فيه ما كان منه في دنياه ، ثم يُخرجُ له في آخرته يلقاه منشوراً ، ومنّا من يؤتاه بيمينه فيُحاسبُ حساباً يسيراً ، وينقلبُ إلى أهله مسروراً ، ومنّا من يؤتاه بشماله فيدعو ثبوراً – أي هلاكاً – ، ويصلى سعيراً ، وأنا بكونِ إنسانيتي وعبوديتي لله لي كتابٌ أولُ ما خُطَّ لي فيه رزقي ، ولا أدري إن كان كثيراً فيلهيني ، أم قليلاً فيكفيني ، أو إن كان قليلاً أؤدي شكره ، أم كثيراً لا أطيقه بيْدَ أني سألتُ اللهَ لي سعته ، والبركةَ فيه ، وأن يجعلني من الذين في أموالهم حقٌّ معلومٌ للسائلِ والمحرومِ ، فأكونُ بذلك قد قدمتُ لحياتي ما أقفُ في ظله يومَ القيامةِ ، فكلُّ امرئٍ – كما قال نبينا ﷺ – في ظلِّ صدقته حتى يُفصلَ بين الناسِ ، رواه الإمامُ أحمدُ في مسنده ، كما سألته أن يرخيَ عليَّ ستره الجميلَ ، فنعمةُ السترِ لا تعدلها نعمةٌ ، وأن يخرجني من دنياي كفافاً لا ليَّ ولا عليَّ ، وأن لا أتركَ لأبنائي ما يستعينون به على معصيةِ الله .

وثاني ما خُطَّ لي فيه أجلي ، ولا أدري أقريبٌ أم بعيدٌ بيْدّ أنَّ كلَّ ما أرجوه أن لا أُردُّ إلى أرذلِ العمرِ حتى لا أُنكّسُ في الخلقِ ، قال تعالى : { ومن نعمّره ننكّسه في الخلقِ أفلا يعقلون } سورة يس آية – 68 فتسحيلُ قوتي ضعفاً ، وكثرتي قلّةً ، وأنسي وحشةً ، وعطائي أخذاً ، وينقلبُ غناي إلى افتقارٍ ، ومدّي إلى جزرٍ وانحسارٍ .

وثالثُ ما خُطَّ لي فيه عملي الذي امتلأت به صفحاتُ كتابي ملأته – ولله الحمدُ – عقيدةً نقيةً ، وتوحيداً راسخاً رسوخَ الجبالِ الرواسي لم تشبه شائبةُ شركٍ ، ولم تُصدّعْ أركانه عواصفُ إلحادٍ ، أطعتُ ربي في أحبِّ الأشياءِ إليه – أي التوحيد – ، ولم أعصه في أبغضِ الأشياءِ إليه – أي الشرك- فعساه أن يغفرَ لي ما بينهما ؛ لأنني من الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخرَ سيئاً فعسى اللهَ أن يتوبَ عليَّ .
أقدمتُ بجهلي واغتراري على أمورٍ ما كان لي أن أقدمَ عليها ، وأحجمتُ بتقصيري وتفريطي في جنبِ اللهِ عن أمورٍ ما كان ينبغي أن أحجمَ عنها ، وإن حنَّ قلبي لتوبةٍ تغسلُ الحوْبةَ ، واستمطرُ بها سحائبَ رحمةِ ربي يغرّني لضعفي باللهِ الغَرورُ – أي الشيطان – فأنتظمُ في سلكِ المسوّفين ، ولكنّي أقولُ لربي : إن غفرتَ ورحمتَ ، وتجاوزتَ عما علمتَ فبفضلٍ ، وإن آخذتَ وعاقبتَ فبعدلٍ ، ولكنَّي أظنُّ بك يا مولاي عفواً وغفراناً ، ومنّاً وإحساناً ، فأنت الغنيُّ عني – لا تنفعك طاعتي ، ولا تضرك معصيتي – وأنا الفقيرُ إليك ، وأنت العزيزُ وأنا الذليلُ بين يديك ، فتغمدني اللهم برحمتك .

ورابعُ ما خُطَّ لي فيه وآخره خاتمتي – شقيٌّ أو سعيدٌ – ولا أعلمُ إن كان اسمي قد كُتبَ في ديوانِ السعداءِ ، أم في ديوان الأشقياءِ ، فإن كان في الأولِ فللهِ الفضلُ والمنّةُ ، وإن كان في الثاني فإني أتوسلُ إلي اللهِ بكلِ اسمٍ هو له سمّى به نفسه ، أو أنزله في كتابه ، أو علّمه أحداً من خلقه ، أو استأثرَ به في علمِ الغيبِ عنده أن يمحوني من ديوانِ الأشقياءِ ، ويكتبني في ديوانِ السعداءِ ، وأن يستعملني بأن يفتحَ لي عملاً صالحاً بين يدي موتي ، حتى يرضى عنّي من حولي ، ثم يقبضني إليه إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه .

اظهر المزيد

شبكه أخبار مصر

فاطمة الشوا رئيس مجلس إدارة جريدة شبكة أخبار مصر وصاحبة الإمتياز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock